الفيلم الأردني "إعادة خلق": تعرية الإرهاب من جديد

 

عمان- الغد- يحكي الفيلم قصة أبو عمار المجاهد السابق في أفغانستان الذي يعود إلى بلدته الزرقاء بالأردن، حيث يبدأ حياة جديدة مع عائلته المكونة من زوجتين وثمانية أولاد، فيصدم بالواقع الاجتماعي الذي دفعه إلى جمع الكرتون وبيعه لمصانع إعادة التدوير بأجر زهيد. من دون جدوى يحاول أبو عمار نشر كتابه الذي ضمنه تجربة عشرين سنة من القتال والبحث، ولكن لا يسعفه لا الوقت الذي أصبح ملكا بالكامل لتوفير لقمة العيش ولا الإمكانيات المادية التي تمكنه من عملية الطبع بالإضافة إلى وقوف ماضيه عائقا أمام قبول دور النشر تبني نشر الكتاب.

اضافة اعلان

يتضمن الفيلم الذي أخرجه المخرج الأردني محمود المساد إشارات بسيطة إلى بعض التفاصيل من حياة أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، وهو من بلدة الزرقاء التي أيضا هي بلدة المخرج.

يرصد فيلم "إعادة خلق" أمل أبو عمار الملتحي في أن تحل شحنة سيارات للعراق مشاكله المالية وإحباطه حين عاد خالي الوفاض بعد أن تعرض لمشاكل من جانب القوات الأميركية والشيعة الذين ظنوا أنه من أتباع الزرقاوي. ويتتبع الفيلم جهوده للانتهاء من كتاب عن الإسلام لم ينشر وعدم قدرة زوجته الثانية على الإنجاب. وتصل احباطات أبو عمار إلى ذروتها وتهتز معتقداته الراسخة بعد ثلاثة تفجيرات متزامنة في فنادق بالعاصمة الأردنية عمان عام 2005 ويتغير تماما.

يحتجز ابو عمار مع مجموعة من المشتبهين لفترة خمسة اشهر، قبل ان تطلق الحكومة الاردنية سراحه لعدم وجود اية ادلة تثبت تعاونه مع تنظيم القاعدة، الذي اعلن مسؤوليته عن تفجيرات فنادق الأردن. لا يطول مكوث ابو عمار في الاردن بعد خروجه من السجن، الرجل يفاجئ الجميع، برغبة في الهجرة الى واحدة من الدول الغربية، في احد المشاهد اللاحقة، يساعد احد اصدقاء ابو عمار في تعبئة الاوراق اللازمة للهجرة. الصديق نفسه الذي كان يشارك ابو عمار الرأي بحرمة الهجرة الى الدول الغربية الكافرة.

ابو عمار الذي لم يحسم امره، يضع المشاهد في مأزق أخلاقي، بسبب عدم قدرته على اطلاق احكام نهائية على الرجل، ابو عمار ليس المقاتل السابق في افغانستان فقط، هو ايضا الرجل المتألم بشدة بسبب خلاف مع والده، لم يشأ ان يتحدث بالتفصيل عنه. ابو عمار ليس فقط الرجل الذي "يبشر بالجهاد" في العراق، هو الاب والعامل المتواضع في اعمال بسيطة.

ابو عمار ليس بطلا، هو مشوش مثل الملايين في المنطقة، عاجزين عن مواجهة الذات ومواجهة اسئلة الحداثة والدين، مواجهة يبدو انهم ينجحون في التملص منها كلما حانت ساعتها. في واحد من مشاهد الفيلم، يظهر ابو عمار واصدقاؤه وهم يبحثون مسألة حرمة العيش للمسلم في الدول الاوروبية او اميركا، في مشهد آخر يجلس ابو عمار في غرفة انتظار في مستشفى مسيحي، وصورة لمريم العذراء تتوسط الجدار!.

وحتى عندما حصلت الانفجارات الارهابية في قلب العاصمة الاردنية عمان، وقتلت العشرات من الاردنيين وغيرهم، لم يدفع هذا الحادث شخصيات الفيلم او شخصيته الرئيسية الى مواقف حازمة من الفكر الذي يقف وراء هذا العنف، او اشارات على البدء في محاسبته.

المشاهد الرائعة والشديدة التأثير التي قدمها محمود مسعد، تجعل فيلمه هذا، واحدا من اهم الأفلام التسجيلية العربية على الاطلاق، تقريبا كل مشهد هو صورة متجددة غير مألوفة لمدينة الزرقاء العادية. في المشهد الاول، يصور المخرج، احد الممرات الضيقة في سوق المدينة ومجموعة المحلات هناك، عادية المشهد تتحول الى شيء باهر، عندما تتحرك الكاميرا ليضم كادرها، اجهزة التلفزيونات المستعملة وحركة الناس في الشارع الرئيسي. مشاهد وجه ابو عمار المقربة كانت عالية التنفيذ، الوجه الذي لا يمكن الاحاطة بالكامل بتقلباته او مشاعره. أبو عمار في محل القهوة المهجور وهو يسهر للاشتغال على كتابه الديني، الذي ينوي كتابته. هناك مشاهد نفذت بطريقة مبتكرة، مشهد الجامع، والمصلين خارجه، والذين لم تستوعبهم مساحته، المشهد صور من ارتفاع ما يقارب الخمسة امتار، ليضم مع المصلين، بسطات الباعة المتجولين وهم يستعدون لبيع بضاعتهم على المصلين عند انتهاء صلاتهم.

يعد فيلم "إعادة خلق" للمخرج محمود المساد، أول فيلم وثائقي طويل يخرجه بعد أفلام قصيرة، وينفرد مهرجان دبي السينمائي الدولي بعرضه العالمي الأول. كان المساد أول مخرج أردني يرشح لنيل جائزة في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه "الشاطر حسن" عام 2002، الذي يتناول فيه قصة موسيقار مغربي متشرد في مدينة أوتريخت. غادر المساد الأردن في عام 1988 ليعمل في التلفزيون والسينما في أوروبا، ويعيش الآن متنقلاً بين هولندا والأردن.