الفُجور العظيم

لم يختلف العام 2015 عن غيره من نِصف العقد الأخير، وهي السنوات الأثقل انسانياً واقتصادياً وأمنياً، على كواهل الشعوب والدول معاً، فكان عاماً سيئاً كما السنوات التي سبقته، ولم يترك يوماً تقريباً من أيام الرزنامة دون علامة فارقةٍ نتذكرها !اضافة اعلان
لكن الأكثر خسارة، للعام الخامس على التوالي، كان الشعب السوري، الذي تعرض لمحنةٍ لم يشهدها التاريخ مِن قبل، وليست لها سابقة في حجم ونوع الفجيعة التي لم تترك بيتاً ولا عائلةً سورية دون حزن أو يتمٍ أو فقدٍ أو خسارةٍ أو تشريد.
ولا مجال للخلاف أن الكارثة التي يتعرَّض لها الشعب السوري لم يختبرها أحد قبل ذلك، ولا أحد يعرف مقدار الألم الذي خلَّفته، وما زالت، سوى الشعب السوري وحده، .. وحده ذلك الشعب الذي عاش ألماً عظيماً يشبه أن تنهار كلّ جبال العالم مرة واحدة فوق أضلاع رجل واحد !
الألم الذي لم يختبره الشعراء الذين تغنَّوا ببطولات السوريين، أو ادَّعوا قرابة بهذه البطولة، أو الذين نَظروا طويلاً حول ما يجب أو لا يجب، حول الصح وحول الخطأ، والذين زاودوا على الذين كانت أثوابهم تقطر دماً على مدار الوقت.
لكنَّ الفجور العظيم، كان في اولئك الذين علَّقوا صور القاتل، ودبَّجوا له قصائد المديح، وخلعوا على كتفيه العباءة العربية، وانبحَّت حناجرهم بالهتاف له، في مدنٍ عربيةٍ كثيرة آخرها رام الله الأسبوع الماضي، هؤلاء الذين يحملون صفات مثقفين وشعراء وفنانين وحقوقيين ومعنيين بكرامة الإنسان وحقِّه في العيش، ثم يقفون جميعاً باسمين تحت صورة الديكتاتور الجزّار، ممتدحين خطاه الواثقة والحكيمة في الطريق الى تحرير فلسطين !
وهي نكتة سمجة وسخيفة أن يكون من أباد مئات الآلاف من نساء وأطفال شعبه قلقاً أو مشغولاً بأطفال فلسطين، أو أن غزَّة ستكون أغلى لديه من حلب أو غوطة الشام.
عموماً ليس المجال هنا لمناقشة الهراء السياسي لهؤلاء الناس، فالصحيح بَيِّن والفجور العظيم بَيِّن، وليس بينهما في هذا الشأن أي مشتبهات أبداً؛ لكنَّ السؤال هو عن “الإنساني” في هؤلاء الناس؛ أين يذهب وهم يقفون تحت صورة رجل قتل وعذَّب وشرَّد هؤلاء الملايين من شعبه ؟!
كيف تُسامحُ كمثقف وككاتب وكفنان وكحقوقي وكإنسان أولاً وآخراً في دم طفلٍ ليس طفلك، وهل كنت ستسامح لو كان طفلك ؟!
هل يرى هؤلاء في صور وفيديوهات اللاجئين الذين ابتلعهم البحر، او ذابوا وخنقوا في الشاحنات، أعداء وخصوماً يستحقون قصفهم بالطائرات والبراميل ؟ هل يرون في بيوت الشام وياسمينها ورجالها ونسائها غزاة يجب طردهم الى كندا لتتسع الطريق أمام دبّابات الرئيس لتحرير فلسطين !
كيف والرئيس لا يردُّ على الطائرات الإسرائيلية وهي تقصف بيته الشخصي وتهيل الزجاج على رأسه !
كيف ينام هؤلاء الشعراء ودم أطفال سورية في رقابهم، كيف ينامون وصور الغرقى في محيطات العالَم تلاحقهم، كيف يكتبون أو يلاطفون اولادهم وهم يرون هذا الدمار العظيم !
كيف يضحكون ويُصلحون ربطات أعناقهم ويتحدثون على التلفزيون عن حكمة ووطنية وبطولة القائد، وهم يمضغون قطع الحلوى عن طاولة الاحتفال.. فيما الدبابات تفرم أشلاء سورية العظيمة.
ثم كيف لمن عاش تحت الاحتلال، وجرَّب الظلمَ، ان يكون هو تحديداً حليف هذا الطغيان وهذا الظلم والجور على روح البشر والجدران وشتلات الورد وقطعة السماء والنهر والنحلات .. التي في الشام.