"القائمة الفلسطينية المشتركة": دم جديد؟

كانت القائمة العربية المشتركة لانتخابات الكنيسيت الإسرائيلي هذا العام، تجربة غير مسبوقة. وإذا كان الجدل "هل الأجدى مقاطعة الانتخابات ونزع الشرعية عن إسرائيل؟"، قائماً وشرعياً، فإنّ وحدة القوى الفلسطينية، وتصعيد وجوه شابة للواجهة، ودلالات تشكيل هذه القائمة من حيث الهوية الوطنية، كلها قضايا باتت الآن حدثاً محورياً.اضافة اعلان
رغم أني لا أزعم خبرتي بأسماء القائمة، لكن بات واضحاً أنّ الحديث هو عن جيل جديد من القيادات والأسماء؛ بدءا من حنين زعبي، إلى د. يوسف جبارين، إلى رئيس القائمة أيمن عودة. فنحن نتحدث عن أسماء بعضها ولد في منتصف السبعينيات (عودة، مثلا، مواليد 1975، والزعبي 1969)، أي بعد الاحتلالين (الأول 1948، والثاني 1967). ولا شك في أنّ غالبية باقي الفلسطينيين، سواء في منظمة التحرير الفلسطينية أو الفصائل، سينظرون للتركيبة العمريّة لهؤلاء الذين يقودون الشارع العربي الفلسطيني في أراضي الاحتلال الأول، بغبطة وربما حسد، فقادتهم هم تسلموا مناصبهم وما يزالون فيها منذ ما قبل ولادة عودة وجبارين وزعبي! ويشعر الفلسطينيون باحترام للقادة الذين قادوا المرحلة الماضية ولم يترشحوا الآن، رغم أنّهم لم يصلوا بعد سن التقاعد، مثل محمد بركة.
أزعم أنّ لأحمد الطيبي، وبركة، والزعبي، والآن عودة وغيرهم، كما القائد في الحركة الإسلامية في الداخل رائد صلاح، بغض النظر عن نقاط خلافية معه، حضورا مهما وفاعلا جماهيرياً في أوساط الفلسطينيين في أراضي احتلال العام 1967، وربما الشتات الفلسطيني، أكثر بكثير من كل أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ نتيجة لحيويتهم ووجودهم الدائم في الميدان، بدءاً من ساحات المسجد الأقصى كما في حالة الطيبي وصلاح، إلى سفن فك الحصار عن غزة، مثل الزعبي. والآن، تستعد القائمة لنشاط جماهيري أول، قد يكون له وقعه؛ وهو مسيرة على الأقدام من النقب وصحرائها حتى القدس. وهي مسيرة تذكر بمسيرة الملح الشهيرة التي قام بها غاندي في الهند العام 1930، واستمرت أكثر من ثلاثة أسابيع. وهذه المسيرة الفلسطينية ستتوج أيضاً بتقديم القائمة مخططا هيكليا للاعتراف بقرى النقب العربية التي يريد الاحتلال تفكيكها وتجميع سكانها في مناطق محددة، ومصادر أراضيهم. بمعنى أنّ الجيل الجديد من المختصين والأكاديميين الفلسطينيين، يضعون مخططات ودراسات تبدأ من تخطيط المدن والشوارع رداً على التخطيط العنصري الصهيوني، وصولا إلى نشاطات مكافحة التمييز العنصري "الأبارتهايد". ومثال على هؤلاء الأكاديميين في قيادة العمل الفلسطيني، د. يوسف جبارين، المرشح العاشر على القائمة؛ المحاضر في القانون بجامعة حيفا، ورئيس قسم التربية الاجتماعية في الكلية الأكاديمية "تل حاي"، ومدير مركز "دراسات" (المركز العربي للحقوق والسياسات). وهو مركز عربي يختص بدراسة وتحليل السياسات الإسرائيلية تجاه المجتمع العربي، ويطرح بدائل مهنية ورؤى مستقبلية، منها دستور بديل غير عنصري. وسبق له مخاطبة هيئات ومنظمات دولية مختلفة بشأن السياسات الصهيونية. وكان وزير الخارجية الصهيوني أفيغدور ليبرمان دعا لطرد
د. جبارين من الجامعة ووقف راتبه لنشاطه ضد "الأبارتهايد".
عدا هذا الدم الجديد، فإنّ فكرة اتحاد الفلسطينيين العرب في قائمة واحدة، هو تجمع على أساس الهوية، مع تهميش الأيديولوجيا والسياسة. إذ اشترك الشيوعيون، والإسلاميون، والقوميون العرب، في قائمة واحدة؛ ما يجعل التناقض الأساسي مع السياسات الصهيونية العنصرية، ويعني تحويل الصراع إلى قضية حقوق قومية ووطنية. وهذا أمر آخر سيغبط باقي الفلسطينيين شبابهم هؤلاء عليه، ويتمنون لو تعمم الحالة، من دون أن ينفي هذا التخوف المبرر من أن لا تستمر الوحدة، بسبب شراسة الاختلاف التقليدي بين مكونات القائمة المشتركة.
لقد انشغل التلفزيون الرسمي الفلسطيني بدعم القائمة المشتركة. وهذا قد يكون بشكل غير مقصود تعبيرا عن الشعور والتجسيد للوحدة الفلسطينية. لكن ثمة خشية لدى محللين ومراقبين من أنّ ذلك يأتي كجزء من محاولة التأثير في الانتخابات الإسرائيلية؛ وأنّ النظر للفلسطينيين في "الداخل" كظهير سياسي لمشروع الدولتين، من دون أي تصور لوحدة الحركة الوطنية الفلسطينية، ما يزال هو الأساس.
السؤال الآن، هل يمكن العمل على توحيد الحركة الوطنية لكل الشعب الفلسطيني في كل مكان: 1948، 1967، والشتات؟ قد يبدو السؤال مستهجنا للسياسيين التقليديين، لكن هناك دماء جديدة، قد يكون لها رأي آخر.