القبول الموحد والقبول المتنوع

ما يقرب من 54 ألف طلب للقبول الموحد في الجامعات هذا العام، وعلى النظام القديم، لأننا لم نتوصل بعد إلى صيغة أكثر عقلانية وتقدما؛ مع تقديرنا القوي للصيغة الحالية من حيث العدالة بالقياس استناداً إلى مسطرة واحدة للجميع، طبعا بعد استثناء المكرمات، والتي يتم القبول فيها وفق مسطرة تنافسية واحدة أيضا.اضافة اعلان
كثير من الناس ما يزال غير مقتنع بأن الأمر يطبق على الجميع فعلا؛ فيتصلون بك من أجل "دزّ" الابن من طريق جانبية للحصول على التخصص الذي لا يتيحه له معدله تنافسيا. هذا مع أن الأمر الآن أخف كثيرا مما كان عليه قبل عامين، حين كانت قوائم الديوان الملكي والعشائر موجودة. ففي حينه، كان الأمر لا يطاق فعلا؛ هجمة شاملة من كل من يعرفك ولا يعرفك للتوسط من أجل مقعد، وإن أمكن فمنحة أيضا من خلال "الديوان".
في حينه، كنت وأنا أتوسط لهذه الغاية أقوم بإسماع المسؤولين في "الديوان" كلاما غاضبا على هذه الطريقة المعيبة والخطيرة التي تديم وتعمق ثقافة فاسدة مقيتة، تدفع المجتمع عصورا إلى الوراء، حيث نصف الأردن يلهث في تلك الفترة خلف أي واسطة، من أي مكان، وبأي وسيلة، للفوز بمقعد على حساب من ينتظمون بكل احترام واستسلام للنظام خلف قوائم القبول التنافسية.
لحسن الحظ أننا تخلصنا، وبقرار ملكي، من هذا الأمر المعيب. وأنا بالطبع مع تجاوز كل الاستثناءات، باستثناء ترتيب معين للمناطق والمدارس الأقل حظا، وذلك لأسباب تنموية حتى لا تزداد الفجوة اتساعا بين المناطق والمجتمعات في البلد الواحد، وتمكين من هم فعلا في ظروف أقل حظا. وعلى كل حال، فالمكرمات لفئات مثل القوات المسلحة والمعلمين وغيرهم، ليس فيها واسطة ومحسوبية، إذ تجري على أساس تنافسي شفاف لعدد المقاعد المتاحة لكل قطاع.
إنما هذا النظام كله؛ نظام القبولات، يحتاج إلى تغيير ضمن مشروع إصلاح التعليم العالي؛ مشروع الإصلاح الذي يراوح منذ سنوات بدون خطوة فعلية في الميدان، رغم أننا أشبعنا الواقع الموجود نقدا، وشرحناه وشخصناه، وحددنا علاته وعيوبه التي تعيق التنمية والتحديث. وهذا ليس بالكلام أو بالتعليقات الصحفية السريعة، بل بالأبحاث والدراسات الموثقة حول عيوب الجامعات والتعليم العالي، والتي عُقدت لها عشرات المؤتمرات والندوات.
لنعد الى القضية المحددة، وهي نظام القبولات؛ فما يزال أناس يراجعون من أجل أبناء حصلوا على معدلات قد تقل بأعشار الدرجة عن المستوى المتوقع لمقاعد الطب أو الهندسة، وهم يستخسرون أن ابنهم الشاطر المقتدر يُحرم من دراسة ما يريد بسبب فارق تافه، لعل الصدفة وحدها صنعته في امتحان "التوجيهي". لهذه الغاية، كان هناك تصور بأن لا يبقى امتحان "التوجيهي" وحده أساس القبول في التخصصات المختلفة.
إن فارقا من عشرات العلامات -بافتراض أنه لم يكن هناك أي غش في امتحان الثانوية- يعني شيئا حقيقيا بالنسبة لمستوى الطالب وقدراته، ولهذه الغاية تكون القبولات أساسا في حزم للمستويات المختلفة، وربما أيضا للمواد المختلفة، وتكون السنة الأولى عامة لهذه الحزم. فمثلا، يُقبل في العلوم العامة من لديهم علامات فوق التسعين، ثم يتم فرزهم بعد السنة الأولى في ضوء حسن تحصيلهم للمواد المختلفة، إلى الفروع المختلفة؛ كالطب والهندسة والصيدلة وغير ذلك. وهذه السنة هي فرصة للطالب لامتحان قدراته ورغباته لتحديد الاتجاه المناسب له.
قد لا يكون ممكنا إنجاز الجديد والتوافق عليه في وقت قصير. لكن يجب أن نبدأ. وعلى الأقل، لنضع مسارا تجريبيا، ونختار جامعة ما لتطبيقه، أو أكثر من صيغة في غير جامعة لامتحان البدائل.

[email protected]