القبيبة.. 71 عاما النكبة

لطالما حدثني والدي رحمة الله عليه عن القبيبة، تلك القرية المحتلة والتي تقع على كتف هضاب الخليل الجنوبية الغربية، والتي تبعد عن المدينة ما يقرب من 25 كيلو مترا، وتبعد عن شواطئ البحر الأبيض المتوسط المسافة عينها. كان ابي يستمتع وهو يستذكر مرابع الصبا في بلدتي القبيبة وحبه اللامحدود لتراب بلاده وتعلقه بها، وكان يتحدث دوما عن أمنياته ان يدفن في قريته التي هجر أهلها من قبل الكيان الصهيوني الغاصب الذي احتل الارض وهجر الشعب، وقتل الشباب والأطفال ونكل بالآمنين العزل. كانت القبيبة بالنسبة لابي جزءا من الوطن السليب الذي لم يغب وما غاب عن ذاكرته طوال سني عمره التسعين التي قضاها، وهو كان يأمل في كل لحظة ان يتحسس تراب فلسطين والقبيبة، فقد عشقها كما عشق عمان ايضا وتراب الأردن. مات ابي قبل أن يحقق حلمه، حمل مفاتيح بيت أهله في القبيبة ووضعها أمانة لدينا وأوصانا أن نحب الأردن ونعشق ترابه، وان نعشق القبيبة ايضا، فالعين اليمنى لا تغار من اليسرى، والرئة اليمين تستأنس عندما تكون الرئة اليسار بخير، وبالتالي لا بأس أن نعشق فلسطين ومنها القبيبة، كما نعشق الأردن وعمان، وهل لا يعشق العاقل مرابع صباه. مات ابي وهو مؤمن أن هناك غرب النهر له أرض وقرية لم ينسها، ونحن ايضا عاهدناه أن تبقى فلسطين فينا لا تغيب، وان تبقى القبيبة حاضرة في البال والعقل، وعاهدناه أن لا ننسى، وهل ينسى صاحب الحق حقه، وهل يغفر المجني عليه عمن سرق منه ماءه وتراب أرضه وكسر أحلام طفولته. مات ابي، ولكن فلسطين والقبيبة لن تموت فينا، وستبقى حاضرة نحكي حكايتها جيلا بعد جيل بعد جيل، مات ابي، وقد نموت نحن، قبل أن تعود القبيبة وفلسطين لأهلها، ولكن أطفالنا وأطفال أطفالنا لن ينسوا ان هناك غرب النهر لهم قرية تدعى القبيية، وأن هناك غرب النهر يوجد بلد اسمها فلسطين وستبقى فلسطين، وسنبقى نحن ومن خلفنا الأبناء وأبناء الأبناء نؤمن ان حق عودتنا لا تنازل عنه، وأننا نريد القبيبة ولن ندع اولئك القلة القليلة الذين يتنازلون عن يافا أو صفد يفعلون ما يحلو لهم، فهم لا يمثلون إلا أنفسهم وكفى، اما نحن سواد اللاجئين لن نتنازل ولن نتنازل حتى لو تنازل العالم كله، فالقبيبة لنا وفلسطين لنا ولا مفاوضات أو مساومات عليهما. مات ابي، ولكن حقنا في فلسطين والقبيبة لا يموت، وسنبقى متمسكين بهذا الحق وان طالت إقامة الاحتلال، فالحق لا يموت وسيعود لأصحابه يوما مهما فعل ساكن البيت الأبيض ومهما قدم من خطط وصفقات، فكل صفقاته ومخططاته لن تنفع مهما حشد لها من إمكانيات، وسيبقى حق العودة عنوانا لنا جميعا، وحق نؤمن به ولن نتنازل عنه مهما اسودت الظروف، ومهما تكالب على ذاك الحق الغرب وبعض العرب. اليوم تحل الذكرى 71 للنكبة، يوم ذاك احتل الصهاينة بمساعدة بريطانيا الاستعمارية وصمت بعض الأنظمة العربية فلسطين، واحتلوا معها القبيبة الساكنة هناك على كتف الجبل بمحاذاة الشاطئ الفلسطيني، سرقوا ترابها، وكسروا أشجارها، وحطموا الآثار التي تزخر فيها. اليوم تحل ذكرى النكبة بالتزامن مع ما تبشر به الولايات المتحدة من صفقة أطلق عليها صفقة القرن هدفها سرقة حق الشعب الفلسطيني بأرضه ومحاولة إيجاد امتداد وقبول اقتصادي وسياسي للكيان الصهيوني لدى بعض دول المنطقة، ولكن هيهات، هيهات، فهل تعتقد واشنطن أن جيل عهد التميمي وعمر أبو ليلى سينسى يوما أرض فلسطين، تاهت رؤيتهم وضاعوا، ففي فلسطين يولد يوميا أطفال يؤمنون بحقهم، فلا نامت أعين الجبناء.اضافة اعلان