القدس توحد الموقفين الرسمي والشعبي وعمان تنتفض غضبا لتوأمها

لوحة أردنية موحدة وغاضبة للقدس في مسيرة الحسيني وسط عمان يوم أمس - (تصوير: محمد أبو غوش)
لوحة أردنية موحدة وغاضبة للقدس في مسيرة الحسيني وسط عمان يوم أمس - (تصوير: محمد أبو غوش)

جهاد المنسي

عمان - خرج الأردنيون امس من شمال المملكة الى جنوبها مرددين بصوت واحد "القدس عربية"، وعمت المظاهرات المنددة بقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، كافة محافظات المملكة، معريين عن رفضهم لوعد عدواني اخر يوازي وعد بلفور، فيما وصف اردنيون ما يقوم به ترامب بحق الشعب الفلسطيني تشجيع لـ"حرب ابادة" تشبه ما اقترفه هتلر ضد شعوب العالم.اضافة اعلان
امس توحد الموقفان الرسمي والشعبي في بوتقة واحدة، فالمسيرات تصدرها نواب واعيان ومسؤولون سابقون، والدعوة لها خرجت من احزاب معارضة ووسطية ووطنية وحكوميين ايضا، فالموقف واحد والقضية واحدة، والقدس لا خلاف عليها عند الاردنيين جميعا، فهي بالنسبة لهم عربية، وعاصمة الدولة الفلسطينية، وهي مسرى الرسول وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وقيامة عيسى المسيح وموطن كنيسة القيامة.
فالقدس جزء من نسيج ذاكرتهم، فهي توأم عمان، وعاصمة الاردن الروحية منذ وحدة الضفتين في الرابع عشر من نيسان (ابريل) العام 1950 وحتى يوم احتلالها في الخامس من حزيران (يونيو) 1967، وعلى اسوارها ارتقى شهداء الجيش العربي، وعلى ثراها سالت دماء جنوده الزكية.
عمان وغالبية مدن المملكة رفعت امس الصوت من اجل القدس، فالقدس مهوى فؤاد الاردنيين، مسلمين ومسيحيين، ومن كل المنابت والاصول، فهي التي تتزين بها جدران بيوتهم، وهي التي تربى على حبها ابناؤهم كابرا عن كابر، فكيف ينسى الاردنيون انهم قرأوا في صغرهم "فلسطين داري ودرب انتصاري.. ولحناً أبياً على شفتيا... وجوه غريبة بأرضي السليبة... تبيع ثماري.. وتحتل داري"؟، وكيف عساهم ان ينسوا ان هواهم عروبي وتكوينهم قومي وحنينهم للقدس متواصل؟. وهو ما عبر عنه رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في كلمته في مسيرة الحسيني أمس عندما قال: "إيها الأردنيون المنتفضون في وجه الظلم يا مَن روى آباؤكم وأجدادكم ثرى فلسطين الطهور وكان لجيشكم الباسل قصص البطولة والشرف في الدفاع عن القدس".
أمس تنفست عمان وكل محافظات المملكة عبير القدس وعبق تاريخها، وثبت يقينا ان عمان والقدس بمثابة بؤبؤي العين والحدقة، وهما بمثابة الرئتين في جسم واحد، والاكثر قربا روحيا وانسانيا ودينيا واخلاقيا، حتى لو قطع الاحتلال المسافات بينهما.
في عمان سُطر مشهد وحدوي بين الرسمي والشعبي، وهو أمر نادر، ومسيرة المسجد الحسيني في عمان ضمت في صفوفها كل مكونات المجتمع الأردني، فالمسلم والمسيحي خرجا رافضين لقرارات ترامب، كما خرج ابناء المخيمات والعشائر والقبائل، والقوى الاسلامية والقومية واليسارية والوطنية والوسطية، ونواب ووزراء سابقون.
الأردنيون اليوم يعرفون اكثر انهم وحدهم في الميدان نصرة للقدس، فهم الاكثر التصاقا بها، وهم سدنة مقدساتها ورعاة اوقافها الاسلامية والمسيحية، فكيف لا يغضبون، وكيف لا يحتجون، وكيف لا يطالبون بقطع العلاقات مع الكيان الصهيوني والغاء معاهدة وادي عربة واوسلو ومقاطعة المنتجات الأميركية؟.
فالاردنيون يعرفون كذلك انهم وحدهم في الميدان لان الصوت العربي خافت ومبحبوح، فهم الذين يتحركون عربيا لعقد اجتماع للجامعة العربية واوروبيا لحشد رفض اوروبي للقرار الأميركي وعالميا لثني اي دولة عن التفكير باللحقاق بواشنطن ونقل سفارتها للقدس المحتلة.
امس احرقت اعلام أميركا وإسرائيل وصور زعمائهما، فالقدس أهم من كل البروتوكلات والمجاملات الدبلوماسية بالنسبة للأردنيين، وهي كانت لهم خطا أحمر وستبقى كذلك، وحتى لو باتت عند البعض خطا يمكن المرور عنه، فإنها عند الأردن الرسمي والشعبي أحمر بلون قان، وهي عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة، وستبقى ولاية الهاشميين عليها قائمة.