القرابين البشرية وفلسطين

مر تاريخ البشرية بمرحلتين: المرحلة الحيوانية التي كان فيها الإنسان يأكل أخاه الإنسان كالحيوان، والمرحلة الإنسانية التي تخلى فيها عن ذلك، واكتفى بأكل زميله الحيوان.اضافة اعلان
يبدو من دراسة التاريخ القديم للبشر أنهم لم يأكلوا لحم بعضهم بعضا لحاجة غذائية كنقص البروتين مثلاً، كما يقول الطبيب والمفكر روبرت ونستون، وإنما تلبية لحاجة دينية تتعلق بالمعتقدات.
يفيد تاريخ الأزتك القدماء في المكسيك أنهم ظلوا يأكلون لحوم البشر حتى القرن السادس عشر حين أجبروا على تركه بتأثير الأسبان (الكاثوليك) الذين اكتشفوا البلاد وحكموها، وأكلوا لحوم سكانها بالحديد والنار لحكمهم والسيطرة عليهم، وحتى إبادتهم.
لقد عامل الأسبان وغيرهم من الغزاة الأوربيين للعالم الجديد كذلك، بحجة أن السكان الأصليين متوحشون، مع أنهم كانوا -على الرغم من أكل لحوم البشر- في فترة من فترات سابقة من تاريخهم قبل الغزو الأوروبي: أرقى مدناً وقرى وقصوراً وحوانيت وأسواقا وزراعة وتجارة من الأوربيين في العصور الوسطى.
لقد شيدوا أهراماً لا يتفوق عليها في الضخامة سوى أهرام الجيزة وإن لم تكن قبوراً مثلها، كما يقول ونستون، وإنما لحفظ جثث القرابين البشرية المقدمة لآلهتهم، ولهذا كانت ملطخة بالدماء ورائحتها تُشم من بعيد.
وهكذا نشأ عند الأزتك ظمأ لا ينطفئ إلى الدم البشري تدل عليه طقوسهم الدموية التي كان يقدمونها لآلهتهم لاستعطافها وتوفير متطلبات الحياة المستقرة لهم.
كانوا يجرحون أنفسهم ويخزقون آذانهم ويخدشون أذرعهم وجباههم بأمواس وعظام مسنونة وأشواك في أثناء احتفالاتهم الدينية التي تقدم فيها قرابينهم البشرية. ولعل تمثال إله الشمس المحفوظ في متحف المكسيك الذي يبلغ قطره 16 قدماً أبلغ دليل على هذا الظمأ، فهو يظهر الإله حاملاً قلباً بشرياً في كلٍ من يديه.
كانوا يعتبرون القرابين بمثابة سداد لدين الحياة التي وهبتها الآلهة لهم، ولذلك كان تقديم القرابين البشرية هو أسمى ما يمكن أن يقدم لها شكراً عليه. أما القرابين فكانوا يعتبرون التضحية بهم شرفاً عظيماً.
وعند تقديم الضحية كان يقوم ثلاثة أو أربعة رجال أشداء بحملها بقوة وإحكام إلى المذبح؛ حيث يقوم الكاهن بدس سكينه الحادة في جسم الضحية عميقاً تحت الضلوع لنزع القلب منه ثم رفعه أمام الحضور بينما ما يزال ينبض. وكان يطبق على الأسرى ما هو أسوأ من ذلك؛ إذ يلقى الأسير في النار، ثم يسحب منها ويعاد إليها، وهكذا، وأخيراً يستخرج قلبه منه وهو ما يزال حياً. أما إذا كانت الأسيرة عذراء فقد تتحول إلى وليمة للأسرة والضيوف لتناول جزء من لحمها وشرب دمها.
مناسبة هذا الكلام ما يجري في الخفاء من مؤامرة أميركية أوروبية لتصفية قضية فلسطين، وشعب فلسطين، بتقديمهما قربانين لإسرائيل، أو ليهوى إله إسرائيل الغيور والمنتقم والمحب للدم. ذلك أنه تَكوّن نتيجة اضطهاد أوروبا لليهود ومذابحها المتكررة لهم، ظمأ هائل عندهم للانتقام من البشرية التي تجسدت أخيراً في الشعب الفلسطيني البريء منهما. يتقدم إلى الاحتفال بالوليمة البشرية الفلسطينية ترامب وزبانيته لأكل لحمها وشرب دمها في صحة إسرائيل/ يهوى بدلاً من التمسك بمبادئ المسيح في المحبة والسلام والعدل. ومع هذا يبدو أن إسرائيل لا تكتفي بذلك بل تطلب من الفلسطينيين أن يتصرفوا كقرابين الأزتك؛ أي اعتبار التضحية بهم لصالح إسرائيل/ يهوى شرفاً عظيماً لهم. وبما أن شعب فلسطين أسير في قبضة إسرائيل فإنها تعامله معاملة الأزتك للأسرى والأسيرات سالفة الذكر.
كان العذاب الذي تمر به الضحية البشرية الأزتكية مؤقتاً، وينتهي الأمر، ولكن عذاب الضحية الذي تقوم به إسرائيل للشعب الفلسطيني ومن ورائها أميركا وأوروبا، لا يتوقف أو لم يتوقف منذ وعد بلفور إلى هذه الساعة.