القضية الأرثوذكسية مجددا

من بين رؤساء الكنائس الذين توجهوا الى كنيسة المهد في بيت لحم للاحتفال أمس بعيد الميلاد وفق الطقس الشرقي، انفرد بطريرك الروم الأرثوكس باستقبال مختلف! فبدل الكشافة والأناشيد وهتافات الترحيب لاقته هتافات ويافطات الاستنكار والتنديد من تجمع من أبناء الطائفة والهيئات الأرثوذكسية في الأراضي المحتلة على خلفية التفريط بأملاك الكنيسة وبيعها أو تأجيرها لليهود.

اضافة اعلان

البطريرك ثيوفولوس ورث التركة الخطيرة لسلفة ارينيوس المتهم بالفساد والتواطؤ في بيع وتأجير أملاك الكنيسة الأكثر عراقة. وعند تعيينه أخذ الاردنيون والفلسطينيون تعهدات واضحة من البطريرك الجديد في قضية الأملاك وتأخر الاعتراف الاسرائيلي طويلا من باب الابتزاز والمناكفة. وقد التقينا ضمن مجموعة من الصحافيين في عمان مدير المكتب القانوني المعتمد من الكنيسة الذي جاء من القدس لشرح الجهود المضنية لإنقاذ أملاك الكنيسة، وأتضح أن البطريرك المعزول ارينوس قد اقدم على جرائم لا تغتفر وكان عيّن نصّابا يونانيا مطلوبا للأنتربول مديرا ماليا مفوضا بالتصرف بالأملاك لم يلبث ان اختفى مع انفجار الفضيحة التي استفزت انتفاضة غاضبة بين ابناء الطائفة في الاردن وفلسطين.

الى جانب الأملاك هناك قضية قديمة ومزمنة هي النضال من أجل “تعريب الكنيسة”، فمنذ مطلع الولاية العثمانية انتقلت بطريركية القدس بقيمتها الدينية الفائقة الى اليونانيين المتهمين بإدارة تؤدّي دائما الى الحيلولة دون وصل بطاركة عرب الى قيادة الكنيسة. ويشكو أبناء الطائفة في الاردن من الاهمال وتراجع الخدمة الرعوية وحبس الإنفاق عن مؤسسات دينية وتنموية، وخلال الأيام الماضية انفجرت حركة احتجاج في الاردن على بعض القرارات ومن أبرزها عزل الأب حنّا عطالله مطران الشمال من عضوية لجنة المحكمة الكنسية في عمّان، وأول من أمس قرر اجتماع في الجمعية الأرثوذكسية في جبل اللويبدة مواصلة الحركة الاحتجاجية في الاردن والتضامن  مع حركة الاحتجاج في فلسطين. والآن تتداخل هذه القضايا مع حركة الاحتجاج الغاضبة على التفريط بأملاك الكنيسة والسياسة غير الوطنية التي تنفيها اوساط البطريرك نفيا قاطعا وتؤكد انها نجحت في استدراك التفريط الذي حصل، وما تزال تخوض معارك قانونية معقدة للغاية في المحاكم الاسرائيلية دفاعا عن أملاك في القدس وفي بقية فلسطين، وكانت آخر واقعة أثارت الاحتجاجات صفقة التشارك في استثمار قطعة متنازع عليها مع شركة تطوير اسرائيلية قالت أوساط البطركية انها الوسيلة الوحيدة لانقاذها من الضياع التام. لكن بالإصغاء لحركة الاحتجاج فالعكس هو ما يجري، والمراقب يحتار في معرفة الحقيقة؛ اذ ليس هناك مرجعية تشرك ابناء الطائفة وبينهم شخصيات وطنية مرموقة في الاشراف والتدقيق واتخاذ القرار.

ويتشارك أبناء الطائفة مع القيادة الكهنوتية من خلال ممثلين منتخبين في ما يطلق عليه اسم “المجلس المختلط” استنادا الى قانون أردني يعود الى العام 57 ، لكن المجلس معطّل منذ احتلال العام 67 وليس هناك آلية موجودة لمشاركة أبناء الطائفة في إدارة القرار، ويمكن لهذه القضيّة أن تبقى شأنا داخليا للطائفة لولا القضيّة الوطنية الكبرى في الصراع على القدس وعلى الأرض في فلسطين. وقد أصبحت أوقاف الكنيسة الواسعة في قلب هذا الصراع. والسلطات الاردنية والفلسطينية تتحرج مبدئيا من التدخل في شؤون الكنيسة، لكن قضية الأملاك ما عادت تحتمل التفرج، ويجب البحث فورا عن آلية حازمة للتدخل.

[email protected]