القطاع غير المنظم.. مشكلة عميقة

يشكل القطاع غير المنظم أو القطاع غير الرسمي تحديا كبيرا للاقتصاد وللمجتمع الأردني، ولكنه تحد غير مرئي وقليلا ما يتم تناوله. وفي الوقت الذي يزداد السؤال عن حلول للمشكلات القديمة والجديدة قليلا ما يتم تناول هذا القطاع بشكل جدي، فحسب آخر التقديرات، وهي قديمة، يشكل القطاع غير المنظم نحو ربع الاقتصاد الكلي ويجذب نحو 45 % من العمالة، ويذهب بعض الخبراء إلى أن موجات اللجوء السوري ضاعفت حجم هذا القطاع ووصل إلى نحو 45 % في آخر اربع سنوات وهذه أرقام كارثية. اضافة اعلان
ويشير مفهوم القطاع غير المنظم او غير الرسمي الى جميع الانشطة والاعمال والمهن التي يقوم بها عادة افراد او شركات صغيرة غير مسجلة ولا تخضع لأنظمة الضرائب والسجلات الرسمية، ولكنها تمارس انشطة غير ممنوعة. وكلما كبر حجم هذا القطاع ازدادت آثاره السلبية والمتمثلة في حرمان الخزينة العامة من موارد اصيلة من ضرائب ورسوم تسجيل، وغياب ضبط جودة المنتجات والخدمات التي تقدم للمجتمع لأنها ببساطة خارج قوانين وإجراءات السوق الرسمية، ثم حجم الأضرار التي تلحق بصغار العاملين الذين عادة يحرمون من حقهم في الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي وغيره من تأمينات وحقوق عمالية ومن الحماية القانونية بشكل عام، وعلينا أن نتصور حجم هذا الضرر حينما يقفز هذا القطاع ويقارب نصف الاقتصاد الكلي.
ورغم أن الأردن وقع مع منظمة العمل الدولية في 2015 إطار عمل للاقتصاد غير المنظم، ولكن من ذلك الوقت لم نلمس تطورات جادة مع ازدياد توسع هذا القطاع. هذه المبادرة جاءت من المنظمة الدولية التي دعمت تشكيل فريق عمل وطني لمعالجة هذا الملف، ولكن كالعادة حينما تنتهي مهمة المنظمات الدولية التي تجمعنا نعود وكأنه لم يحدث شيء.
المسألة بكل بساطة أنه حينما يكون نصف الاقتصاد ونصف سوق العمل غير منظم ولا يخضع للسجلات الرسمية ولا لأنظمة الضرائب ولا للمساءلة ولا ضبط الجودة ولا معايير عمل واضحة ولا حماية قانونية، فإنه ليس من المستغرب أن نشهد كل هذه التشوهات الاقتصادية وتواضع العدالة الاجتماعية.
تذهب أضرار اتساع القطاع غير المنظم أبعد من الحقوق العامة، إلى حقوق المجتمع والأفراد ومتلقي الخدمات، على سبيل المثال لا يتوقف الأردنيون من الشكوى من أداء بعض المهن ورداءة بعض الخدمات المهنية التي تقدم، وعدم وجود ضابط أخلاقي ولا قانوني لها مثل بعض أعمال الإنشاءات الصغيرة، الأعمال المدنية، أعمال الصيانة في المنازل وغيرها من صناعات وأشغال صغيرة في الأغلب ما يجعل من الصعب الرقابة عليها، في الوقت الذي تعد معظم المهن في هذا القطاع مفتوحة ولا يوجد معايير تضبط من يمتهنها.
في المجتمعات التي أنجزت بنى اقتصادية ناضجة، نُظمت هذه الأنشطة الاقتصادية الحيوية رسميا إلى جانب التنظيم الذاتي من خلال الاتحادات المهنية وجمعيات أرباب الأعمال التي نضجت تاريخيا وأصبحت لها قوة في ضبط هذه المهن وحماية حقوق العاملين فيها، وحماية حقوق المجتمع في تلقي خدمات ومنتجات جيدة بعيدا عن الغش والمماطلة أو حتى النصب. علينا أن نتصور اتحادا لعمال البلاط الأردنيين يضع معايير للجودة للمهنة ومعايير دخول لها وشهادة مزاولة مهنة ونظاما لتلقي الشكاوى، فكيف سينعكس ذلك على ازدهار المهنة وتطورها، وقس على ذلك عشرات المهن المشابهة.
للأسف، ما تزال المعالجات الاقتصادية الوطنية سطحية وآنية لمشاكل عميقة ومزمنة، وكأن لا أحد يعرف الحقيقة ويشتبك معها.