"القلق" من انصهار يهود العالم


دعا وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في الأيام الأخيرة، إلى تخصيص مليار دولار من أجل مواجهة انصهار يهود العالم في شعوبهم، ومنع خروجهم من اليهودية، بإرادتهم أو بفعل الشريعة؛ وهذا بدلا من 100 مليون دولار طلبها رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو. ما يعكس "القلق" المتنامي في الحركة الصهيونية من تراجع أعداد اليهود في العالم، والذين زادوا خلال 42 عاما بنسبة 9.5 % فقط.اضافة اعلان
وهذه من الحالات النادرة جدا التي يُجاهر فيها قادة حكومة إسرائيل بقلقهم من تراجع أعداد اليهود في العالم. وما يُعوّض بنسبة محدودة هذا التراجع، التكاثر الطبيعي في إسرائيل، استنادا إلى معطيات الحركة الصهيونية. وهذا القلق نابع من استمرار تراجع رافد الهجرة إلى إسرائيل، والذي يعزز وجود الكيان الإسرائيلي مستقبلا.
وحسب آخر معطيات للحركة الصهيونية، كان عدد يهود العالم في العام 1970 حوالي 12.63 مليون نسمة، ارتفع بعد 42 عاما، في العام 2012، إلى أقل من 13.85 مليون نسمة، أي بنسبة 9.5 %، من بينهم 6 ملايين نسمة في إسرائيل. في حين تضاعف عدد سكان العالم خلال ذات الفترة.
ونرى في التفاصيل أن أعداد اليهود تتناقص في كل دول العالم سنويا، باستثناء إسرائيل، التي ضمنت الزيادة الطبيعية فيها خلال السنوات الأخيرة زيادة محدودة. ولكن حتى العام 2020، لن تكفي الزيادة في إسرائيل لسد وتجاوز تراجع أعداد اليهود في العالم؛ إذ سيكون عددهم، حسب تقديرات الصهيونية، 13.27 مليون نسمة، أي بتراجع بنحو 50 ألف نسمة عن اليوم.
والسبب الأكبر لهذا التحلل والانصهار، هو الزواج المختلط مع الديانات الأخرى. إذ بحسب الشريعة، فإن اليهودي هو من كانت والدته يهودية، بمعنى أن الرجل الذي زوجته ليست يهودية لا يعتبر أبناؤه يهودا، والعكس بالعكس؛ حين تكون الوالدة يهودية، بمعنى أن زوجها ليس يهوديا. وتُثبت أبحاث مؤسسات الحركة الصهيونية أنه حين لا يتم الاعتراف بأبناء اليهودي من زوجة ليست يهودية كيهود، فإن الغالبية الساحقة جدا ممن يولدون لأم يهودية وأب ليس يهوديا، هم لا يعتبرون أنفسهم يهودا.
وحسب تقديرات الصهيونية، فإن نسبة زواج اليهود المختلط في العالم 45 % بالمعدل. وهذه النسبة قائمة في الولايات المتحدة، أكبر تجمع لليهود في العالم بعد إسرائيل. بينما ترتفع النسبة في دول الاتحاد السوفيتي السابق إلى أكثر من 55 %.
ليس هذا فحسب، بل إن استطلاعات عديدة، منها ما ظهر في نهاية العام الماضي، دلّت على أن غالبية أبناء الديانة اليهودية في أوطانهم يبتعدون، أكثر فأكثر، عن المشروع الصهيوني، ولا يضعون إسرائيل على رأس أولوياتهم، كما يبتعدون عن الديانة اليهودية. فمثلا، ثلث الشباب اليهود في الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم من دون ديانة. وتفسر الصهيونية هذه المعطيات على أنها تراجع حاد في جاهزية اليهود للهجرة إلى إسرائيل، التي تراها الصهيونية ضامنا أساسيا للحفاظ على الغالبية اليهودية في كيان إسرائيل.
وتريد إسرائيل من رصد الميزانيات، تشجيع أبناء الديانة اليهودية على الاقتراب من المؤسسات اليهودية في أوطانهم، كمقدمة لتقريبهم من المشروع الصهيوني. لكن إسرائيل ومعها الصهيونية، تعرفان أن "كلمة السر" المُحفزّة على الهجرة هي الاقتصاد،
و90 % من يهود العالم يعيشون في أوطان تتمتع بمستوى معيشة أعلى مما هو في إسرائيل. ولهذا، ليس صدفة أن ظهرت دعوات في إسرائيل في السنوات الأخيرة، للبحث عن "الهجرة النوعية"، بمعنى استقدام ذوي القدرات المالية، وليس الفقراء الذين يتحولون إلى عبء على الخزينة الإسرائيلية العامة، ونسبة التكاثر بينهم ضئيلة، ولا يضيفون شيئا للعامل الديمغرافي.
إن الضجة التي أحدثها ليبرمان، شبيهة بزوبعات إسرائيلية أخرى ظهرت في العقد الأخير أمام واقع تراجع الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، وهي في حدود 16 ألف مهاجر سنويا، وبما لا يقاوم الزيادة لدى فلسطينيي 48. علما أن إسرائيل لا تُسقط الجنسية عن ما يقدر عددهم بين 10 آلاف إلى 12 ألفا من حملة الجنسية الإسرائيلية، والذين يهاجرون من إسرائيل سنويا، وذلك كي لا يهتز الميزان الديمغرافي. وحسب التقديرات، فإن نحو 750 ألف يهودي من أصل 6 ملايين مسجلين في إسرائيل، هم في الواقع هاجروا من إسرائيل، ومنتشرون في العالم، ولاسيما الولايات المتحدة.

barhoum_jaraisi@