القمح والأفوكادو والزراعة

وُضِعتْ دراساتٌ كثيرةٌ عن الاستراتيجية الزراعية في الأردن، وصممتْ دراساتٌ وخططٌ كثيرة لتقييم مساهمة الزراعة في الإنتاج الوطني، وفي السبل لتعزيز تلك المساهمة ورفع قيمتها.

اضافة اعلان

وبينت بعض القراءات الاقتصادية أن مساهمة الزراعة الصافية في الناتج المحلي الإجمالي هي قريبة من الصفر إن لم تكن سالبة. فلو طرحنا من قيمة المنتجات الزراعية ما نستورده من الخارج، والدعم المقدم لها خاصة المياه، لذابت كرة الزراعة كلياً.

ولكن مشكلة الزراعة ودعمها ليست حكراً على الأردن وحده، أو على أي بلد في العالم. ففي الدول الغنية هنالك إشكاليات كبيرة يواجهها المسؤولون مع قطاع الزراعة والمزارعين.

ومهما تعالت وكبرت قيمة الدعم المقدم لهذا القطاع، فإن المزارعين قادرون على الفوز في نهاية المطاف، وَلَيِّ ذراع الحكومة لتنصاع لمطالبهم. فالتهديد بوقف الإنتاج في أي لحظة ينطوي على تهديد أكبر لأمن الاقتصاد.

والقضية الزراعية في الأردن تصبح أكثر تعقيداً، إذ أن غالبية الإنتاج وخصوصا الخضار، وكذلك الفواكه شبه الاستوائية كالموز والأفوكادو تتطلب مياهاً كثيرة، وتعتمد على الري. ولولا براعة المزارعين في إدخال وسائل الري الحديثة كالتنقيط والرش والبيوت البلاستيكية والحبوب المطورة لبقيت الزراعة قليلة الإنتاجية وعالية الكلفة. ومن هنا تصبح المفاضلة بين ترشيد استهلاك المياه من ناحية، وتوفير الطعام المنتج محلياً من ناحية أخرى.

ولا شك أن قطاع الزراعة قد عانى الكثير من تقلبات السياسة العامة. فتارة نقول للمزارعين أن شكواكم الرئيسية هي التسويق الذي يسيطر عليه السماسرة، والذين يجنون الأرباح الأكبر، فننشئ لهم مؤسسة تسويق سرعان ما تفشل، ويعود المزارعون إلى حضن السماسرة ثانية.

وتارة نقول لهم إن الحكومة تشجع التصدير، ونعقد الاتفاقات الثنائية بهدف زيادة الصادرات، ونحتج إذا أوقف أحد صادراتنا إلى أسواقه، ثم يقوم المسؤولون بوقف التصدير بهدف توفير المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية خاصة إذا ارتفعت الأسعار بسبب مناخي كشح الأمطار أو حصول صقيع يقتل الثمار والخضار. وهكذا يتقلب المزارع الصغير قبل الكبير بين المزاجات المختلفة والأولويات المتباينة.

الأرض الزراعية قليلة في الأردن، وتصغر باستمرار. ونحن ننتقل بها من الأراضي الأصلح لها والتي تتآكل إما بفعل إساءة الاستخدام، أو بالزحف العمراني، مما يجعلها أكثر كلفة للاستثمار والإنتاج والاستهلاك المائي. وكذلك نحن لا نقدم الإرشاد الزراعي المناسب.

وكذلك تراجع عدد المشتغلين بالزراعة حتى باتوا لا يزيدون على 3 % من مجموع السكان، علماً أن الزراعة في الخمسينيات كانت تشغل حوالي خمسة عشر ضعف تلك النسبة. ولا تشكل الزراعة سوى نسبة تقل عن نصف في المائة من التكوين الرأسمالي السنوي في الأردن.

إذا، هنالك قضية زراعية في الأردن، ولا بد من وضع استراتيجية، وقد شكا لي أحد المزارعين قائلاً إن الزراعة هذه السنة تعاني الأمرّين، وأنها على وشك الإفلاس. والمطلوب من الحكومة العتيدة أن تعطي هذا الموضوع أهميته. فالبعض يشكو من شحّ المياه، وآخرون من تراجع الموسم، وآخرون من انغلاق بعض أسواق التصدير، والبعض من زيادة الكلف، وآخرون يشكون أن أسعار المنتجات الزراعية المرتفعة في الأردن ليست من عمل المزارعين، وأنَّ نصيبهم من هذه الأسعار العالية محدود جداً، ولا يصيبهم منها إلا النَّقْد والهجوم والسمعة غير الحسنة لدى جمهور المستهلكين.

الزراعة فلاح وفلاحة. فلنعطها ما تستحقه من اهتمام.

[email protected]