الكتابة على السيارات: إسقاطات تعكس الشخصية والقيم المجتمعية

الكتابة على السيارات: إسقاطات تعكس الشخصية والقيم المجتمعية
الكتابة على السيارات: إسقاطات تعكس الشخصية والقيم المجتمعية

  فيصل القطامين

   الطفيلة – لابد للمراقب للعديد من السيارات التي تسير على الطرقات في الأردن وأن يقرأ عبارات أو كلمات أو أبيات من الشعر أو رسوم شهيرة أو مقاطع من أغان لمطربين مشهورين بعضها مضحك يبدد من سأم الطريق، خصوصا الطرق الطويلة المسافات، وأخرى تأتي على شكل حكمة آثر صاحب تلك السيارة ان يعمم إنتشارها بين الناس.

اضافة اعلان

هذه الظاهرة منتشرة إلى درجة كبيرة في الأردن، خصوصا على الشاحنات وسيارات النقل المتوسطة وسيارات "البكب أب" وبعض سيارات تاكسي الأجرة، على أن الكثير منها يحمل دلالات إجتماعية معينة وكل عبارة أو كلمة أو حكمة تمثل واقعا معينا كذلك، إذ أن لكل هدفه في الكتابة على سيارته معبرا في سبيل ذلك عن شيء يريده أو يخشاه.

   غير أن هناك العديد من العبارات يتم التحوير في معناها، مثلما درجت العرب منذ القدم على إطلاق لقب على رجل لا يعكس حقيقته، كإن تقول (أبو بصير) للأعمى أو للأعشى، وهذا الأمر موجود في مجال الكتابة على السيارات، بحيث لا تحمل كثير من العبارات الدلالات الحقيقية عن السيارة، فهناك السيارة بطيئة التي يكتب عليها وصفا مغايرا كعبارة "هبوب الريح" أو "صاروخ الفضاء"، في حين يكتب آخر على سيارة قديمة لم يتبقى من أصباغها إلا بقايا "ست الحسن " أو " ست البنات " او "العنود" ويقصد سيارته المدللة، أحيانا أخرى تستخدم عبارات تدل على القوة، مثل "عاصفة الصحراء" للتذكير بالقوة التي استخدمت في حرب الخليج.

   وقد تشتمل العبارات حكما وأقوالا تشيد بالأخلاق الحميدة مثل "إتق شر من أحسنت اليه" أو " لاتسقني ماء الحياة بذلة بل فاسقني بالعز كأس الحنظل "، للتدليل على عزة النفس وعدم القبول بالضيم، ومنها عبارات خاصة بحب الوطن، مثل "الغربة عن الوطن كفر" او لسان حال من يعتز بانتسابه  لبلدته أو مدينته فيكتب "ابن الكرك أو "ابن الطفيلة" او "ابن الرمثا".

    فيما يكتب آخرون شعارات وطنية تظهر في فترة معينة فيكتبها إيمانا منه بهذا الشعار، وقد  يحذر بعضهم من ان يسير خلفه بعبارات لطيفة كعبارة " لا تلحقني مخطوبة" لتذكر بالإبتعاد عن السيارة التي أمامك لترك فاصل بين السيارتين، وهناك عبارات أخرى تدلل على قيم اجتماعية هامة تسود في مجتمعنا  كأثر شر الحاسدين وترتبط في الغالب عبارات محددة يعرفها المجتمع الأردني كعبارة " ياناظري نظرة حسد أشكيك لواحد أحد " أو عبارة " عين الحسود فيها عود"، وقد يخفف البعض اللهجة العدوانية فيحولها الى عبارة " صلي على النبي"  لحماية السيارة من عين الحاسد ودرء العين خصوصا إذا كانت السيارة جديدة أو صبغت مجددا.

وهناك نوع من السائقين الذين ينحازون للشعر، فترى أبياته منمقة فوق حديد سياراتهم، وغالبا ما تحمل تلك الأشعار دلالات عديدة تحث على بعض الصفات التي يتميز بها مجتمعنا الأردني، وقد يتجاوز ذلك الى الإهتمام ببعض القيم الاقتصادية كأهمية الوقود فلولاه لا تسير السيارات وترتبط بها عبارة غريبة وهي " ديزل في التنك ولا مليون في البنك "، لأنه لافائدة من النقود في حال عدم وجود الوقود في السيارة خصوصا في الأماكن الصحراوية البعيدة عن محطات الوقود. وقد تعزز تلك العبارات مفاهيم دينية كعبارة " سيري فعين الله ترعاك " لتوثق إيمانا مطلقا بالقدرة الآلهية التي تسيير كل الأمور، وقد يذهب البعض إلى إيراد العبارات الدينية الأخرى، أو حتى الآيات القرانية.

   ويعبر سائقو ومالكو السيارات عن الإرتباط الكبير بينهم وبين سيارتهم بعبارات تدلل على الحب، وربما ينطلق ذلك من كونها الوسيلة الهامة التي أصبحت بلا منازع من الأساسيات في الحياة فترى عبارة "محبوبة فلان"، الى جانب أن بعضهم يصف سيارته ببعض الصفات ويشبهها ببعض الحيوانات السريعة أو الطيور فترى عبارة وكلمات مثل "العنود" أو " ريم البوادي " أو عبارة " بنت الصحراء "  أو أسماء لخيول عربية اصيلة مثل " الدهماء " و "الكحلاء" و" العبية" وغيرها من أسماء تدليل الخيول لأنه يعتبر أن الفرس قد توقف استخدامها كوسيلة ركوب و استعيض عنها بالسيارات لتدل على مدى المتانة في الصنع والقدرة على التحمل.

وقد تأخذ السيارات اسماء المحبوبات فترى أسماء مؤنثة كتبت عليها من الخلف بخط أنيق جميل وبحجم كبير الى جانب استخدام الألوان الزاهية أو الكتابة بالملصقات الفسفورية لتعكس ضوء متوهجا ليلا عندما تنعكس اضواء السيارات عليها لتبدو أشد وضوحا. فيما وصل الأمر بالبعض الى التعبير عما يريد برسم أشكال من الرسوم كالورود أو الطيور أو رؤوس لحيوانات الأسد أو النمر أو طيور النسر أو الصقر التي تتميز بالقوة والصلابة. 

   وترى أستاذة علم النفس في جامعة الملك الحسين بن طلال د. منى أبو درويش أن "تفسير هذه الظاهرة يرتكز في الأساس على  منظومة القيم المختلفة التي تسود المجتمع في سائر نواحي الحياة"، إضافة الى أنها مزيج نفسي اجتماعي لدى الأشخاص وهي "رسائل يهدف أصحابها منها إلى لفت الانتباه لإفتقار بعضهم للرضا عن النفس أو فقدان تقدير الشخص لنفسه، فيلجأ الى مثل هذه الطرق غير المألوفة عن المجتمع للتعبير عما في داخله كالكتابة التي تشبه الى حد بعيد الكتابة على الجدران أو تزويد السيارة بأضواء مميزة تختلف عن المعتاد حيث تعتبر عملية الخروج عن المألوف صفة من صفات هذه الشخصية".

   وتبين أبو درويش أن هذه الظاهرة قد تفسر على أنها "نوع من أنواع التعويض حيث لايستطيع الكثير من الأشخاص الحصول على ما يريدون ويكون مستوى طموحاتهم أعلى بكثير من مستوى واقعهم وكنوع من التكيف مع مستوى الواقع الذي يعيشه هؤلاء فإنهم يضطرون للكتابة على سيارة قديمة ومهلهلة وبطيئة عبارات تدل على السرعة والتفوق والقوة"، ككلمة " هبوب الريح " على سيارة بطيئة أو أي كلمات تدلل على القوة والتفوق في الوقت الذي تسبقها أي سيارة اخرى فهو لا يمكنه شراء سيارة جديدة وبالتالي يعوض عما في مكنونات نفسه من الأشياء التي يرغب في امتلاكها .

وقد يعبر الشخص عن حبه لوطنه أو إنتمائه لمدينته فيعبر عن ذلك بكلمات معينة ترتبط بهذا المفهوم وقد تكون الظاهرة لدى البعض مجرد تقليد للآخرين فيراه يكتب عبارة أو كلمة لايعني بها شيئا .

وتلقي أبو درويش الضوء كذلك على مدى أوسع للظاهرة كانعكاس نفسي لشريحة كبيرة من الناس، إذ يذهب البعض الى وضع أسماء لسيارات ذات ماركات مشهورة على سيارته التي لا صلة لها بنوع السيارة المقلدة تيمنا بالماركة العالمية المشهورة التي تتميز عن الكثير من السيارات بمزايا كثيرة، وكذلك العبارات التي تكتب عن الحسد كتعويذات لمنعه حيث يمكن ان تفسر بانها تنبع من خلال المنظومة الجمعية كالأيمان والاعتقاد، فالايمان لدى الفرد يكون متجذرا حتى لو لم يكن الشخص متدينا. فيما توضح أن هناك الكثير لا يتعدى الأمر لديه أكثر من مجرد المداعبة والفكاهة فقط .