الكرامة 68 وتحطيم خط بارليف 73

محمد الشواهين

على مدى الحروب التي خاضتها أمتنا مع العدو الصهيوني، منذ الأربعينيات من القرن الماضي، والغلبة كانت لعدونا، الا في معركة الكرامة في الحادي والعشرين من آذار العام 1968، التي خاضها الجيش العربي الأردني، ومعركة العبور في السادس من اكتوبر العام 1973، حيث استطاعت القوات المصرية من عبور قناة السويس، وتحطيم خط بارليف، فكما كانت معركة الكرامة الانتصار الأول للجيش العربي الأردني، بعد نكسة حزيران المشؤومة، كانت كذلك معركة العبور، التي حقق فيها الجيش المصري انتصارا يشهد له العسكريون في كل جيوش العالم.اضافة اعلان
المعركتان كانتا معجزتين بسبب الظروف التي احاطت بهما. ومن المعلوم أن الجيشين الاردني والمصري قبل اقل من عام، خرجا من هزيمة حزيران في وضع يرثى لهما، في تلك الظروف السيئة شنت القوات الاسرائيلية هجوما واسعا على القوات الاردنية وافراد من القاومة الفلسطينية شرق نهر الأردن، وفي بلدة الكرامة بشكل خاص، بألوية مدرعة وكتائب متعددة من المشاة، تتجاوز اعدادها واسلحتها اضعاف القوات الأردنية المرابطة شرق نهر الأردن، لكن شجاعة قواتنا استطاعت ان تصمد في وجه هذا المد الأسود. وبفضل من الله وتوفيقه عاد الجيش الاسرائيلي، يجرجر ذيول الهزيمة والانكسار، لأول مرة في تاريخه العسكري الحديث، مخلفا وراءه دباباته ومعداته التي تم تدميرها او عطبها على ارض المعركة لتكون شاهدا على خيبته.
بالنسبة الى معركة عبور قناة السويس، كانت مصر باغتت الجيش (الذي لا يُقهر)  بضربة جوية موجعة، والمعركة برمتها من تخطيط وتنفيذ ونتائج، باتت تُدرّس في كثير من الكليات العسكرية في اقطار عدة، في الوقت الذي كان العدو الصهيوني يعتقد اعتقادا تاما، ان الجيش المصري، سوف يخسر نصف عدده، اذا ما حاول العبور، بسبب الساتر الترابي الذي كان ارتفاعه 18 مترا تقريبا، ومواسير كبيرة الحجم متصلة بخزانات من مادة الفسفور التي تشتعل بمجرد ملامستها الماء والهواء، ثم الأهم من ذلك خط بارليف الحصين الذي اعتبره العسكريون من دول كبرى، انه يتفوق تحصينا على خط (ماجنو) الشهير في الحرب العالمية الثانية.
وهنا لا يتسع المجال بالحديث عن مزيد من التفاصيل، ونكتفي بالقول انهما اعادتا قسطا كبيرا من الكرامة والهيبة للجيشين العربيين بعد الهزيمة المرة في حزيران،  لتسجل بأحرف من نور، وبمداد من الذهب الخالص.
من المفارقات الغريبة العجيبة في الحنكة العسكرية، ان الرئيس  انور السادات كان على علم ان الاقمار الصناعية، تقوم بتصوير كل آلية مصرية، تتحرك نحو القناة وحمولتها من الأسلحة، ما استدعى لنقل الاسلحة والذخائر خلسة وبكل سرية، عن طريق القطارات المدنية المخصصة لنقل الركاب الى ارض المعركة، اما الساتر الترابي الذي كان عقبة كأداء في وجه اي عبور، فإن مهندسا عسكريا برتبة ملازم اول هو الذي اقترح فتح منافذ لمرور الدبابات والمدرعات والمركبات بانواعها، وذلك بضخ الماء بقوة فائقة، بواسطة مضخات فعاليتها عالية جدا. وفعلا  تم استيراها من المانيا على شكل قطع غيار، وتم تجميعها بأيد فنية مصرية، كي لا يصاحب شراءها جاهزة، شكوك تكشف الهدف منها.
 رجال الضفادع المصريون استطاعوا صب الخرسانة في فوهات مواسير الفسفور واغلاقها نهائيا، ولولا هذه الخطوة، لتحول سطح المياه على طول قناة السويس جحيما ذات لهب.
حريّ بنا ان لا نمر مر الكرام، على معركة كبرى كهذه، التي احتفل الشعب المصري بذكراها الخالدة قبل ايام، ولا يفوتني في هذا المقام ان اشير الى القائد العسكري الأردني الفذ المرحوم خالد هجهوج المجالي، قائد اللواء 40 المدرع، الذي حارب على ارض الجولان، واستطاع هذا اللواء الباسل، ان يوقف زحف قوات العدو الصهيوني باتجاه الشيخ مسكين، على طريق عمان – دمشق.
استخلاص العبر من معاركنا مع عدو صلف متغطرس، ما يزال يغتصب ارضنا ومقدساتنا، واجب قومي، فان لم يعد الى رشده، وذلك بتطبيق قرارات الشرعية الدولية التي تنص على عدم جواز احتلال ارض الغير بالقوة، كان به، والا فان ما أخذ بالقوة، لا يُسترد الا بالقوة.