الكلالدة الرئيس أمام تحدي الاستقلالية

أحجية الانتخابات البرلمانية في الأردن تتصدر المشهد الان بعد تعيين الدكتور خالد الكلالدة رئيسا للهيئة المستقلة للانتخاب.
لم يكن مفاجئا اختيار الكلالدة لهذا المنصب، فطوال أسابيع ظل اسمه يتصدر الأسماء مع مرشحين آخرين، وتسربت معلومات بأن رئيس الحكومة منذ أشهر شاور واستمزج إحدى الشخصيات السياسية الاقتصادية لترؤس الهيئة، وهذا ما فتح الشهية لانتقاد الحكومة التي اتهمت بأنها تخالف الآليات الدستورية والقانونية لاختيار رئيس ومفوضي الهيئة المستقلة للانتخابات.اضافة اعلان
لا يمكن التوثق والقطع من هذه المعلومات، عندما تبدأ الصالونات السياسية في عمان بضخ مئات المعلومات التي تنقصها الدقة، ولإغلاق سيل الإشاعات بث خبر رسمي بأن رؤساء السلطات (الحكومة، مجلس النواب، مجلس الأعيان، القضاء) اجتمعوا ورشحوا للملك مجموعة أسماء لرئاسة الهيئة وعضويتها.
لا احد يقلل أبداً من حضور وقوة الوزير السابق والسياسي خالد الكلالدة، والهيئة بالتأكيد تحتاج إلى شخصية قادرة على مواجهة الضغوط، واستعادة هيبة الهيئة التي تعرضت للاهتزاز.
يأتي الدكتور الكلالدة رئيساً للهيئة بعد أن قاد مع الحكومة جولات شرسة في الدفاع عن قانون الانتخاب الجديد، ولذلك فهو يعرف أكثر من غيره التحديات التي يفرضها القانون الجديد، والجهد الذي يتطلبه لتوعية المجتمع في آليات إنفاذه والتعامل معه.
من السهل جدا أن نتحدث ونكتب عن استقلالية الهيئة التي تأخذ هذا الحق من الدستور والقانون، ولكن هذا التحدي الأكبر الذي سيواجه الكلالدة ومجلس المفوضين والجهاز التنفيذي للهيئة ليس بالانتخابات المقبلة وإنما دائماً وأبداً وفي كل وقت.
القصة ليست معقدة؛ فالهيئة المستقلة مؤسسة صغيرة جداً وهي تعتمد في الإشراف والرقابة على الانتخابات على جهاز تنفيذي في الحكومة وبدونه لا يمكن إجراء الانتخابات، وجل هؤلاء عايشوا الانتخابات وآليات إدارتها قبل الهيئة المستقلة وتعايشوا مع تدخلات الحكومة، وهم اليوم يجب أن يأتمروا بتوجيهات الهيئة وتعليماتها ولا أحد سواها، وهذا هو الواقع الصعب، عدا عن تفاصيل كثيرة لا ترتبط فقط بالحكومة وأجهزتها الأمنية وتدخلاتها، وإنما بموروث اجتماعي يؤثر في نزاهة الانتخابات.
حتى الأن لا نعرف متى ستجرى الانتخابات البرلمانية، وما زلنا في "حيص بيص" هل ستجرى في شهر آب (أغسطس)، أم ستؤجل لما بعد بطولة كأس العالم للسيدات تحت سن 17 التي يستضيفها الأردن، وهل ستنظم قبيل نهاية العام، أم سترحّل لبداية العام القادم، وماذا عن سيناريو التمديد للبرلمان؟
هذا الجدل عن مواعيد لاستحقاقات دستورية أساسية لا تحدث في العالم الديمقراطي، وعندنا تظل لغزا تستثمر بها الحكومة والنواب، وتعد لها سيناريوهات لها أول وليس لها آخر، والمشكلة أننا لا نتحدث فقط عن انتخابات برلمان، بل هناك انتخابات بلدية في الطريق، وانتخابات لا مركزية ستجرى لأول مرة، ومطلوب أن يكون للدولة خطة واضحة المعالم للتعامل مع هذه الأحداث.
مهم جدا أن يكون الأردن منشغلا في الإعداد لانتخابات متعددة، في الوقت الذي تسعى دول حولنا لإيجاد طريق لطاولة المفاوضات بعد سنوات من الاقتتال والانقسام. مهمات وملفات كثيرة تنتظر الكلالدة لإحداث فرق في الانتخابات القادمة، فنحن أمام أول انتخابات منذ عقدين خارج مظلة الصوت الواحد، ونحن أمام انتخابات على نظام القوائم النسبية، ونحن أمام انتخابات يتوقع مشاركة الإسلاميين فيها بعد مقاطعة، ولكنهم هذه المرة بأحزاب وتوجهات مختلفة، ولا ننسى أيضاً أن هذه الانتخابات ولأول مرة ستجرى بموجب بطاقة ذكية تعد دائرة الأحوال المدنية والجوازات لإصدارها خلال الفترة القادمة.
سؤال النزاهة للانتخابات مستمر ولن ينتهي في مجتمع لا يثق كثيراً بمؤسساته، غير أن الأمر يتعدى ذلك الى ضرورة أن تبذل الهيئة المستقلة جهودا كبيرة في التوعية والتدريب وبناء أدوات للتواصل الإعلامي الفعال، والتنسيق المنتج مع مؤسسات المجتمع المدني.
جاء الكلالدة للهيئة المستقلة للانتخاب رئيسا بعد أشهر من المقارعة لتمرير قانون الانتخاب، وما ينتظره من عمل مع فريق الهيئة قد يكون أكثر صعوبة، ويحتاج إلى دعم الجميع، وكثيرون يرصدون ويترقبون ماذا سيفعل؟