اللاجئون السوريون: مجرد حدود تفصل بين "الجنة والنار"

لاجئون سوريون يبينون خيامهم في مخيم الزعتري الشهر الماضي  - (تصوير: محمد ابو غوش)
لاجئون سوريون يبينون خيامهم في مخيم الزعتري الشهر الماضي - (تصوير: محمد ابو غوش)

بيوتر زاليفسكي
(مجلة تايم) 25/1/2013

 ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

تركيا وعزاز، سورية - لولا بيوت الكرفانات الرتيبة البيضاء، لكان من السهل وصف مخيم اللاجئين السوريين التركي "أونشوبينار" بأنه بلدة نابضة صغيرة. وفي عصر أحد الأيام الأخيرة في المخيم الذي يؤوي حوالي 14.000 سوري، تسير عائلات شابة أمام عشرات من الحوانيت المليئة بكل شيء، من سراويل الجينز إلى الفلافل والشاي. ويتدفق الأولاد، الذين شرعوا لتوهم في أداء الامتحانات، خارجين من مدرسة بنيت حديثاً. وفي داخل سقيفة مغطاة بشراشف من القماش الأزرق، يقص أحمد، الحلاق البالغ من العمر 16 عاماً، شارب أحد الزبائن. كان ذلك يومه الأول في العمل، كما قال، وانتابه شعور طيب لأنه على عمل.
من الطبيعي أن تكون الحياة في مخيم "أونتشوبينار" أبعد ما تكون عن الكمال. فسكانه موجودون هنا، بعد كل شيء، لأن الحرب الأهلية السورية فقط أجبرتهم على الهرب من منازلهم. وفي الليل، يبقي صوت القصف عبر الحدود الأطفال مستيقظين في الكرفانات والخيام المكتظة التي تؤوي بعضها أكثر من عشرة أشخاص. وفي السوق المركزية المحلية، حيث يدفع العملاء بواسطة سندات الكترونية أصدرها البرنامج الإنمائي التابع للأمم المتحدة والهلال الأحمر التركي، ثمة شكاوى من الأسعار. ويقول عبد المجيد، وهو والد لأربعة أبناء ويدير قسم اللحوم في السوق، وأعطانا اسمه الأول فقط، إن علاوة الغذاء الشهرية وقيمتها 80 ليرة تركية (45 دولاراً) تكفي، لكن النقود التي تعطى للناس من أجل شراء الحاجيات المنزلية الأخرى ليست بكافية. ويقول:"يتقاضى كل شخص مبلغ 24 ليرة في الأسبوع لشراء أشياء مثل مطهرات الغسيل وفوط الأطفال. لكن الفوط وحدها تصل قيمتها إلى 16 ليرة للعلبة الواحدة".
ومع ذلك، وكما يقول عبد المجيد وهو يشير إلى الرفوف الممتلئة من حوله: "مقارنة بالمخيمات الأخرى، فإن هذا المخيم يعد جنة". ويتضح ذلك بعد مسيرة قصيرة على الأقدام لعبور الحدود إلى داخل سورية. وفي مخيم "باب السلام" الذي يقع مباشرة إلى الشرق من بوابة الحدود التي يحرسها ثوار الجيش السوري الحر، تظهر المشاهد شديدة الإيلام، حيث تحاول العائلات على نحو يائس إبعاد مياه الأمطار عن خيامها باستخدام أكياس الرمل، أو نقلها إلى أرض مرتفعة. وهناك، تجمع امرأة عجوز رزماً من أغصان الزيتون من أجل المساعدة في إيقاد النار. وفي طرف المخيم، بالقرب من الحمامات، تتدفق النفايات والمياه العادمة إلى برك الوحل التي خلفتها الأمطار.
 ويقول محمود، الذي يعمل في مركز الصحافة المحلية، والذي يمتنع أيضاً عن إعطاء اسمه الأخير، إنه في الأسبوع السابق كان نحو 7000 شخص في باب السلام. لكن العدد زاد بعد قصف القوات النظامية السورية لمنطقة عزاز المجاورة، وهي بلدة محمود الموطن، بمقدار 4000 شخص آخرين قدموا إلى المخيم.
وقد نفدت الخيام في المخيم، ما أجبر العديدين من الذين وصلوا مؤخراً على اللجوء إلى المسجد المحلي. وهناك تحتشد العشرات من النساء والأولاد في قاعة الصلاة الرئيسية. وثمة مجموعة من الرجال المنهكين الذين يغالبون النعاس من التعب، يظهرون ببطء من جوف الظلام الذي يلف غرفة مجاورة. ويقول واحد منهم إنهم لا يرغبون في شيء أكثر من الانضمام إلى ما يقارب 160.000 سوري الذين يعيشون في المخيمات الموجودة على الجانب التركي من الحدود. ويضيف: "لكن المخيمات هناك ممتلئة، ولا يوجد لدينا مال يكفي لاستئجار شقة".
وفي مطبخ حساء محلي تديره جمعية إسلامية تركية خيرية تعرف باسم "أي اتش اتش"، يقدم المتطوعون البطاطا المسلوقة والبندورة والخبز. ويقول الرجال الذين ينتظرون في طابور إن الحصص ضئيلة، لكنها تكفي لإطعام الجميع. لكن ما يقتل هنا هو البرد. وفي داخل إحدى الخيام التي يحميها من دخول مياه الأمطار الزاحفة حاجز من الطين الجاف، يلتف إبراهيم مصطفى وعائلته حول موقدهم المتداعي. ويقول مصطفى إنه يمضي خمسا إلى سبع ساعات يومياً وهو يجمع الأخشاب. ومع ذلك، تشتكي والدته التي كانت تحمل طفله الرضيع بين ذراعيها الخشنتين من أنه لا الموقد ولا الملابس تكفي للحماية من البرد. ويشرح أفراد العائلة بالقول إنه قبل أسابيع قليلة، فقد أحد جيرانهم ابنته التي كانت تبلغ شهرين من العمر.
 وخارج خيمة مصطفى، يرتفع فجأة صخب محموم. فثمة أحد ما -ربما عامل إغاثة- شرع بإلقاء قطع ضخمة من الكرتون المقوى من فوق سور وضع بين خيام الجمعية الخيرية التركية وباقي المخيم، مرسلا مجموعة من الأولاد الذين كانت أنوفهم تسيل، الذين من دون ملابس ولا اغتسال، إلى نوبة جنون مؤقت. (إذ تعتبر ألواح الكرتون مثل الوقود). وفيما كان الأولاد يصرخون ويكرون ويفرون ويدفعون بعضهم بعضاً بعيداً عن الطريق من أجل التقاط قطع الكرتون المحلقة، تنفصل فتاة صغيرة عن الحشد وهي تطلق صرخة يائسة وتقترب. وكانت تحمل طفلاً رضيعاً، عيناه مغمضتان بفعل الحمى، ووجهه مثل وجهها ممتلء بالخدوش والالتهابات.
وتشكل هي وآخرون في باب السلام جزءاً وحسب من المدنيين السوريين المشردين الذين تجمعوا على طول الحدود التركية السورية التي تمتد مسافة 650 ميلاً. وقد لا يطول انتظارهم. فوفق ما ذكره مسؤول تركي، فإن ثمة خمس أو ست مدن كرفانات جديدة هي قيد البناء راهناً في تركيا. وفي مستهل شباط (فبراير)، يتوقع افتتاح مخيم مصمم لاستيعاب 10.000 شخص بالقرب من اونتشوبينار.
 حتى لو استطاعت تركيا استيعاب هؤلاء اللاجئين الذين يناضلون من أجل البقاء وينعمون ببعض الدفء في باب السلام، فمن المؤكد أن آخرين كثراً سيأتون. ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن لجنة الإنقاذ الدولية، فإن هناك ما يزيد على مليوني مشرد في داخل سورية حالياً، وما يقدر بحوالي 4 ملايين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
مع اقتراب المساء، يعود البرد مسرعاً، ويبدأ الدخان المنبعث من مداخن المواقد في باب السلام بتغليف الخيام. ولا يوجد تيار كهربائي هنا باستثناء ذلك الذي تولده المولدات التي تقعقع عند طرف المخيم، ولذلك لا يوجد ضوء هنا تقريباً. وهكذا، ومن دون إمكانية لوقف زحفه، يمتزج الضباب القاتم مع الظلام المتكاثف، ماحياً مشهد المخيم من نطاق الرؤية رويداً رويداً.
 في الصباح التالي، وبينما كنت أعيد إلقاء نظرة على فيلم مسجل على كاميرا هاتف نقال، تبرز البنت التي كانت تقف أمام خيام الجمعة الإسلامية التركية الخيرية. وعلى عكس الأولاد الآخرين الذين يضحكون ويلعبون وسط تواجد الصحفيين، تقف الصبية ساكنة بلا حراك، رزينة وصامتة وهي تضم الطفل الوليد إلى صدرها، وترفض عيناها إفلات عدسة الكاميرا. ويبدو أنها لا تسعى إلى شيء أكثر، ولا أقل، من أن يشاهدها الآخرون.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
Syrian Refugees, a Border Separates “Heaven” from Hell

اضافة اعلان

[email protected]