اللامركزية.. أحجية معقدة أم صراع بين وزارات؟!

المتابع لمسألة اللامركزية في الأردن منذ سنوات طويلة يلاحظ انها شهدت عدة تجاذبات على صعيد الجهة المسؤولة عن تطبيقها أو ادارتها. فتارة نراها مرتبطة بوزارة البلديات وتارة أخرى بوزارة التخطيط ومرة ثالثة مرتبطة بوزارة الداخلية وأخيرا بوزارة التنمية السياسية، وفي كل الأحوال كان لها ارتباطٌ مباشر بوزارة المالية من حيث اعتمادها على موازنة الدولة. واليوم نسمع عن نية وتوجه لدى الحكومة الحالية لإنشاء وزارة تنمية محلية لتعنى بموضوع اللامركزية. ومن هنا نرى أن دائرة التنافس بين الوزارات ستتسع لتضم أكثر من 4 وزارات. اضافة اعلان
عندما برزت لأول مرة العام 1993، اتخذت عدة تدابير لإرساء اللامركزية على مستوى البلديات، فتم تجهيزها بوحدات للتنمية المحلية. وتبع ذلك عدة دراسات انتهت بوضع استراتيجية حول اللامركزية من جانب وزارة البلديات، ففهمت في تلك الفترة على انها تعني دمج البلديات الثلاثمائة وثمان وعشرين بلدية بتسع وتسعين بلدية، فتم دمج البلديات في 2001.
وبعد مضي سنوات، وبالتحديد بتاريخ 27 كانون الثاني 2005 جاء تدخل جلالة الملك عبدالله الثاني لتصحيح المسار، فدعا لتشكيل هيئات لامركزية للتشجيع على زيادة مشاركة المواطنين في اتخاذ القرارات السياسية المحلية. ودعمت هذه الدعوة من أطراف متعددة مؤثرة، ولكن هذه العملية اصطدمت بعثرة عدم وجود تنسيق بين الوزارات المعنية، وبالتحديد تلك المتنافسة فيما بينها في موضوع اللامركزية، وهي وزارات الداخلية والتخطيط والبلديات.
في 2008، تم إعادة احياء العملية مرة أخرى بخطاب ملكي، فكلفت وزارة الداخلية بإدارة برامج التنمية المحلية بعد ان تم انتزاعها من وزارة التخطيط. وما لبثت اللامركزية ان تأجلت بعد اندلاع ما أطلق عليه الربيع العربي في آذار 2011. فانشغلت الحكومة بتعديل قوانين الانتخاب والأحزاب وحتى الدستور الذي طاله بعض التعديل على أثر تشكيل لجنة الحوار الوطني التي ضمت تيارات حزبية ومعارضة ومستقلين، كان لي الشرف في أن أكون عضواً فيها. وظهرت آنذاك مطالبات لإعادة تشكيل مائة بلدية تم دمجها في 2001.
والآن يرى البعض ان اللامركزية هي احدى اشكال الديمقراطية التي قد تسبق الحكومات البرلمانية، ويجب المضي بها رغم عدم نضوج تجربة اللامركزية في السنوات الأخيرة الماضية. في حين يتساءل البعض الآخر هل نحن بحاجة الى اللامركزية بأي شكل من الاشكال في ظل الثورة الصناعية الرقمية التي نعيشها. فلم يعد هناك مناطق نائية في مملكة تجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة بين ليلة وضحاها بعد الربيع العربي يتوزعون على عُشر مساحة المملكة مستغلة في مناطق حضرية وريفية وبادية، وموزعين على اثنتي عشرة محافظة ومائة بلدية، أكثر من نصفهم يعيش في عمان والزرقاء واربد.
اول اشكال اللامركزية التي ظهرت كانت العام 2005 حيث تم تشكيل لجنة للأقاليم حيث عرضت اول مشروع قانون لإنشاء الأقاليم بتاريخ 23 تشرين الثاني 2005. تلا ذلك الإعلان عن ثلاثة أقاليم: الشمال والوسط والجنوب. وكانت الفكرة ان يكون لكل إقليم عاصمة خاصة به، يتألف كل إقليم من مجلس منتخب من عشرة أعضاء تعين الحكومة أحدهم. وكانت الفكرة ان تدير كل منطقة تنموية (إقليم) الخدمات الخاصة به ويعتمد سياسته الخاصة به لجذب الاستثمار والشركات. ولكن انهار هذا المشروع بعد ان وجه له انتقادات قاسية.
وفي 2008 صدر قرار حكومي لنقل 92 وظيفة من الوزارات الى الإدارات الحكومية داخل المحافظات لجعل المرافق والخدمات العامة في متناول الشعب. وفي ايار 2009 قدم برنامج UNDP بناء على طلب وزارة التخطيط مقترحات شكل بموجبها رئيس الوزراء لجنة وزارية معينة باللامركزية، فضلاً عن فريق عمل فني حول اللامركزية وكانت مهمته وضع إطار استراتيجي للامركزية وتوجيه اصلاح هيكليات الإدارة الوطنية والإدارة العامة مع إعطاء دور أكبر للمحافظين ولمجالس المحافظات من خلال إنشاء مجلس التنمية الذي يضم رؤساء البلديات.
فعدنا مرة أخرى لموضوع المنافسة بين الوزارات الثلاث التخطيط والشؤون البلدية والداخلية، فحتى العام 2010، كان لوزارة التخطيط موظفون في المحافظات ضمن وحدات التنمية المحلية، ومن ثم تم نقل هذه الوحدات الى وزارة الداخلية في العام 2010.
حتى اليوم لا يوجد توافق للإجابة على التساؤلات المطروحة، فهل تعني اللامركزية ضما للبلديات، أم انشاء وحدات تنمية في وزارات الداخلية والمحافظات، أم إنشاء وحدات التنمية من التخطيط والبلديات.
وهل تعني اللامركزية، تراجعا لسلطة البلديات لصالح المحافظات؟ أم تراجع صلاحية بعض الوزارات لصالح مجالس المحافظات، أم تراجع سلطة النواب لصالح مجالس المحافظات؟
فهل نريد لامركزية سياسية، أم إدارية، أم لامركزية في التخطيط والتمويل، أم كل هذا وذاك؟ باعتقادي حتى ينجح مشروع اللامركزية يجب أن نقتنع أنه مشروع قابل للتنفيذ وليس أحجية عصية عن الحل وليس صراعا على الصلاحيات بين الوزارات.