اللامساواة الاقتصادية والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين

احتلت مسألة التفاوت الاجتماعي "اللامساواة الاقتصادية" خلال السنوات القليلة الماضية مكانة كبيرة في النقاشات التي تحدث في المنتديات الاقتصادية والسياسية، حتى تلك التي تجري في المؤسسات والمنتديات الدولية التي تروج لأسس اقتصاد السوق الحر.اضافة اعلان
ومن المتوقع أن تحتل هذه المسألة مساحة واسعة في مناقشات الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين التي ستلتئم خلال الأيام القليلة القادمة، خاصة والعالم يشهد توسعا ملفتا في الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
هذه الفجوة لم تأت اعتباطا، وهي ليست قدرا، على البشر التسليم به والقبول به، بل هي نتاج لخيارات اقتصادية واضحة المعالم، تقوم على تقليص دور الدولة في إدارة الاقتصادات الوطنية وضمان الحمايات الاجتماعية الفعالة والعادلة لمواطنيها، وفتح المجال على مصراعيه أمام القطاع الخاص الوطني والعالمي ليقود مسارات الاقتصادات الوطنية والعالمية، والنتيجة كما يرى الجميع ازدياد أعداد الفقراء بشكل غير مسبوق في مختلف أنحاء العالم وبمستويات متفاوتة بين الدول.
موضوع استمرار السكوت عن تنامي الفجوة الاقتصادية والاجتماعية أصبحت مقلقة للجميع، لأنه لا يترتب عليها حرمان غالبية سكان المعمورة من حقوقهم الإنسانية الأساسية وخاصة الاقتصادية والاجتماعية، بل يترتب عليه أيضا تهديد الاستقرار العالمي بمختلف مستوياته، وهذا الذي يدفع غالبية المراكز السياسية الاقتصادية العالمية بهذا الشأن.
وعند الحديث عن مكافحة التفاوت الاجتماعي وخاصة من قبل العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية، يتم تجاهل السياسات الاقتصادية التي عمقت هذا التفاوت، ويدعون الى محاربته باستخدام ذات السياسات الاقتصادية التي أوجدته وعمقته.
من غير الممكن محاربة اتساع رقعة الفقر والفجوة الاجتماعية المتنامية دون إعادة الاعتبار لسياسات الحماية الاجتماعية، بحيث تصبح هي البوصلة التي تسترشد بها الحكومات في تطوير خياراتها الاقتصادية والسياسات الاقتصادية المنبثقة عنها.
وعند الحديث عن الحمايات الاجتماعية نتحدث عن دور الدولة في بناء وادارة منظومة متكاملة تشكل توفير التعليم والرعاية الصحية والضمانات الاجتماعية الشاملة، وتقديم الحمايات الى الفئات الاجتماعية غير القادرة على العمل مثل الأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم. وهذا لا يمكن أن يتحقق والمؤسسات المالية الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي مستمر في الحديث عن ضرورة تطبيق سياسات مالية تقشفية حتى في ظل جائحة كورونا.
وعند الحديث عن محاربة التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية، لا يمكن الاستمرار في تطبيق سياسات ضريبية غير عادلة، تتركز الإيرادات الضريبية في الضرائب غير المباشرة وغير العادلة مثل الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة، والتي لا تميز بين فقير وغني، بل ان الفقراء يدفعون ضرائب أكثر من الأغنياء كنسبة من دخولهم.
وعند الحديث عن محاربة التفاوت الاجتماعي واللامساواة الاقتصادية، لا يمكن الاستمرار بتطبيق سياسات عمل غير عادلة تضغط على الأجور -تحقيقا لميزات تنافسية - للدولة وقطاعها الخاص على حساب تراجع المستويات المعيشية لمواطنيها.
لقد آن أوان أن تقف المؤسسات المالية الدولية وخاصة صندوق النقد الدولي أمام مسؤولياتها في التخلي عن شروطها التي تفرضها على الدول الفقيرة والتي ترتبط معها باتفاقيات، والتي هي أشبه باتفاقيات "الإذعان"، اذ لا مناص أمام حكومات هذه الدول من القبول بشروطها المجحفة ان ارادت أن تحصل على مساعدات بنوعيها (المنح والقروض).
ان استمرار العمل بذات القواعد غير العادلة التي يعمل بها النظام الاقتصادي العالمي السائد، والتي يدفع باستمراره المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية هو الذي يعمق التفاوت الاجتماعي، حتى وان أعلنت هذه المؤسسات خلاف ذلك في تقاريرها المنشورة.