اللجنة الملكية.. هواجس شخصية

تشرفت بعضوية اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، هكذا جاء اسمها مبتعدا عن العبارة المشهورة المتداولة «الاصلاح السياسي». ولعل في الاسم الجديد دلالة على أمرين، الاول ان البيئة التشريعية للحياة السياسية منظومة متكاملة، وأن القوانين الناظمة للفضاء السياسي يجب ان تتكامل في نسق يضمن فعاليتها بذاتها وفي مجموعها معا، والثاني أن في الاسم «تحديث المنظومة» تأشير على انه رغم المنظور العام المتشكك والمحبط نوعا ما، إلا أن ذلك يجب ألا يطمس حقيقة وجود منجزات على الارض، فمن الضروري الخروج من ذهن «الانهيار الشامل» والفرصة الاخيرة، الذي يسود الخطاب الاصلاحي الآن، فرغم الاحتقان في المجالين الاقتصادي والسياسي، فإنه من الموضوعية توصيف الواقع بإنجازاته وتحدياته.اضافة اعلان
آلية عمل اللجنة الاجرائي ستتضح خلال الايام القادمة، ولكن أعتقد ان نجاح اللجنة مرهون بالاتفاق على منهج تفكير عام يقضي ان التوافق هو اتفاق على الرؤية الشاملة لمهام اللجنة، أما عدد اعضاء اللجنة فليس بالضرورة تحديا امام نجاحها، بل قد يكون مصدر ثراء وإثراء لعملها اذا اتجه كل عضو فيها ليكون خلية تواصل مع مجتمعه ومحيطه بحيث ينقل للجنة مطالب وتوقعات وآمال الناس والقوى الشبابية والشعبية.
من زاوية ثانية، أعتقد بضرورة الانصات الى مخاوف الناس وتوجساتها، للوقوف على «نبض الشارع»، فمثلا في موضوع مشروع قانون الانتخاب، هناك قضايا مشهورة «سرية» يجب مفاتحة الوطن بها: منها التخوف من سيطرة الاخوان المسلمين، او تمثيل المكون من اصول فلسطينية وعلاقة ذلك بحق العودة والوطن البديل، وسلب الحقوق التمثيلية الحالية للمحافظات، وتجنيس ابناء الاردنيات وعلاقة ذلك بالهوية الاردنية، والتدخل في الانتخابات وتوجيه نتائجها، هذه قضايا تشغل ذهن الكثيرين ويجب الانصات لها وفهمها، ورغم ان وثائق شعبية سابقة مثل الميثاق الوطني عالجت هذه الامور بشجاعة ووضوح، فإن نقاشها وطرحها كقضايا وطنية شعبية مستحق ومهم، ذلك ان التوافق عليها سيشكل ركيزة اساسية في وحدة الجبهة الداخلية.
وفي هذا الصعيد ايضا على الدولة ان تعلن عن اجندتها بوضوح، وان توصل للجنة تخوفاتها بشجاعة وشفافية عالية، فالدولة واجهزتها تعمل من وجهة نظرها لحماية البلد والنظام، ولهذا فإن رأيها يجب ان يطرح بوضوح، ولكن بعد ان تتوصل اللجنة لتوصياتها فإن كل طرف يجب ان يدعم ايضا بشجاعة ووضوح مخرجات عمل اللجنة، باعتبار ما ستتوصل له خطة عمل وطنية يجب تبنيها من الجميع، ان التوصل لخطة عمل وطنية متوافق عليها من الجميع، بما في ذلك الدولة واجهزتها عامل اساسي في ضمان تطبيق توصيات ومخرجات عمل اللجنة.
في مجال توسيع المشاركة السياسية للأردنيين، فإن الفضاء السياسي وفضاء المجتمع المدني عنصر اساسي في العمل السياسي الحديث، واستمرار التشكيك في المجتمع المدني وفي الاحزاب السياسية، وفي نوايا الفاعلين السياسيين قضى على البيئة الحاضنة للعمل السياسي والمشاركة الشعبية في صنع القرار، لا يجوز الاستمرار بالتشكيك وشيطنة مؤسسات مجتمع مدني مرخصة ومسجلة وفق احكام القانون، ومن المهم الاشارة الى ان هناك توصيات ستحتاج الى سيرورة زمنية لتحقيقها، ولهذا فإن سقف التوقعات يجب ان يكون واقعيا، ويجب وضع الامور في نصابها، فمع ان القانون في ذاته اداة تطوير اجتماعي وسياسي، فإن الوعي السياسي والقانوني امر فيه سيرورة حتمية تفرضها الطبيعة البشرية ذاتها.
إعتقد جازما ان الاوراق النقاشية خريطة طريق مهمة ومرجعية ذهنية وفكرية اساسية لعمل اللجنة ومخرجاتها، وان تحويل افكار الاوراق النقاشية لخطة عمل زمنية قد يكون الطريق الاقصر في التوصل الى مخرجات تحظى بقبول الاغلبية، خاصة في ضوء تحدي وقت اللجنة الذي يزيد قليلا على مائة يوم.
اللجنة الملكية ليست الفرصة الاخيرة بل هي الفرصة الاولى المستحقة منذ زمن، للتفكير والعمل لفكرة الوطن الجامعة وفكرة المواطنة الضامنة للأمن والسلام المجتمعيين، ولتمكين الوحدة الوطنية على اساس من المكاشفة والمصارحة، اللجنة هي الفرصة الاهم لإجراء جراحات سياسية وقانونية تضمن التمسك بثوابت الدستور والعمل بنصوصه، اللجنة الملكية هي ورشة عمل وطنية لتجديد مدنية الوطن وديمقراطيته، وتفعيل مؤسسته الدستورية واعادة البناء والتطوير للحياة السياسية لتكون من خلال مؤسسته الدستورية، ولهذا فإن اهم انجاز لهذه اللجنة هي ان تكون آخر لجنة، بحيث تعود الحياة السياسية الفاعلة الدستورية الى مؤسسات الدولة ذاتها، وان يكون التطوير والتنظيم عضويا في هذه المؤسسات وبواسطتها.