‘‘اللزاقيات‘‘.. حلوى شعبية لا تفارق موائد الأردنيين

للزاقيات نكهة خاصة وعلاقة حميمية تربط الإنسان بجذوره وتفاصيل طفولته- (ارشيفية)
للزاقيات نكهة خاصة وعلاقة حميمية تربط الإنسان بجذوره وتفاصيل طفولته- (ارشيفية)

تغريد السعايدة

عمان - ما تزال رائحة النار وهي تلامس أطراف العجين الذي كانت تضعه والدة الخمسيني أبو بشار عالقة في قلبه وذهنه، وهو يترقب بلهفة وشغف انتهاء والدته من "خبز الشراك" وتجهيزها لحلوى "اللزاقيات"، هذه الحلوى الشعبية التي لم تفارق مائدة بيوت بعض الأردنيين، على الرغم من "قلة الخبازات"، على حد تعبير أبو بشار.اضافة اعلان
ويقول أبو بشار، الذي جال العديد من الأماكن والمدن، إن للزاقيات نكهة خاصة وعلاقة حميمية تربط الإنسان بجذوره وتفاصيل طفولته وشبابه، فقد كانت الحلوى الملازمة لهم في أغلب الأوقات، وقد كبر وترعرع وهو لا يعرف حلوى بيتية غيرها. ويضيف "لهذه الحلوى خليط من الذكريات، فهي ترتبط في مجتمعه بصباح يوم العيد، كمناسبة فرح، أو في بعض المناسبات التي يتم فيها توزيع الحلوى للحضور في مناسبات "الوفاة"، ليصل ثواب تناولها "لروح الميت"، كما كان وما ويزال يعتقد الكثيرون".
لذا يعمل أبو بشار دائماً على أن يقتنص مشاركة المناسبات والفعاليات التراثية والعائلية التي يتم فيها تقديم اللزاقيات وتناولها بحب وحنين، وهو يوقظ ذكريات والدته التي توفاها الله، ولم يعد يتناول اللزاقيات إلا في مناسبات قليلة.
وعلى الرغم من أن الغالبية تربط حلوى اللزاقيات بمجتمع معين، كالبادية، على سبيل المثال، إلا أنها تنتشر في مختلف المحافظات الأردنية، وبالمسمى ذاته "اللزاقيات"، وترتبط بالمناسبات الاجتماعية بشكل دائم، إلى الحد الذي أصبحت فيه تلك الحلوى التي يطلق عليها البعض اسم "كنافة البدو" حاضرة في المحافل التراثية، والمعارض التي تحاكي تراث الأردن وأطعمته القدمية.
المختصة بالشؤون التراثية وصاحبة مشروع "مهدبات الهدب" ثائرة عربيات، وصفت اللزاقيات التي تقوم بتقديمها لضيوفها وتصنعها في كل مرة تشارك فيها في المعارض الخاصة بالتراث، ترى أن هذه الحلوى الشهية يجب أن تكون حاضرة في كل وقت، كونها من الحلويات التي ترتبط بذاكرة كل أردني عاش فترة الاعتماد على الأم والبيت في إنتاج الغذاء بأشكاله كافة، كذلك تعيدنا لأيام تحضير الأم والجدة لـ"مونة" البيت اليومية من "خبز الشراك"، وبشكل يومي بدون توقف.
وتقول عربيات "إن "اللزاقيات"، بالأصل اشتهر فيها كما أهل البادية الفلاحون، الذين كانوا يعمدون إلى تحضيرها خلال موسم قطف الزيتون وعصره، يحتفلون بإنتاج الزيت، بعمل هذه الحلوى وتقديمها للحضور، وهي حلوى تتميز بسهولة تحضيرها وتوفر موادها".
وتصف طريقة إعدادها، وهي عبارة عن خليط من طحين القمح المعجون بالماء فقط، ولا يتم تخميرها، وتوضع على "الصاج" مباشرةً، وبعد أن تنضج يتم وضعها في وعاء وتقطيعها، ويضاف إليها السمن البلدي أو الزيت والسكر "حسب الرغبة"، وتقدم ساخنة أو باردة.
وفي منطقتها البلقاء، تقول عربيات "إن اللزاقيات كانت وما تزال حاضرة، ولكن في القِدم كانت تعد نوعاً من إكرام الضيف في تقديمها، بالإضافة إلى تقديمها في الأعراس والمناسبات السعيدة".
وتأكيدا لأهمية هذه الحلوى الشعبية، نرى حضورها في مهرجانات العروض التراثية، كما في مهرجانات الزيتون أو الرمان، أو المعارض التي تقام بمناسبات وطنية تراثية عدة.
ولا تتقن أغلب الفتيات صنع هذه الحلوى، لذا تحرص الثلاثينية هنادي أحمد على أن تبحث عن إحدى السيدات التي تقوم بتحضير اللزاقيات سواء بشكل مباشر "طازجة" أو جاهزة، لكي تتناولها في البيت، وتقوم أحياناً بتخزين جزء منها في "الفريزر"، كونها لا تتوفر دائماً في الأسواق أو المخابز.
وتشير هنادي إلى أن بعض السيدات المنتجات في تقديم المنتجات الغذائية في منازلهن يقمن بتحضير اللزاقيات، ولكن حسب الطلب، إلا أنها لا تستشعر اللذة ذاتها بالطعم والنكهة، كما كانت في السابق قبل ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً، عندما كانت جدتها تقوم بتحضيرها ورائحة "الخبيز" تملأ الأرجاء في صباح أيام العيد، أو عند حضور ضيف عزيز أو غائب.
أما فاطمة عيد، فقد تعمدت والدتها أن تخبز "اللزاقيات" بعد أسبوع من وفاة جدتها، وكذلك بعد مرور أربعين يوما، وتوزيعها على الحاضرين؛ إذ يعد هذا نوعاً من التقليد المُتبع في مجتمعها، منذ عقود، كنوع من طلب الرحمة للفقيد، خاصة في حال كان المتوفى يحب هذه الحلوى ويقدمها لضيوفه بكثرة.
السبعينية أم منصور، ما تزال، رغم مرور الزمن ووجود الأنواع المختلفة من الحلويات العربية والغربية، والمسميات صعبة النطق أحياناً، حسب قولها، إلا أنها تقوم بعمل اللزاقيات ما بين الحين والآخر لعائلتها على الصاج مباشرةً، بحطبه وناره ورائحته العابقة الممتدة، معتبرةً ذلك نوعا من التعبير عن الحب والإكرام لهم.
وتقول أم منصور لـ"الغد" وهي من صحراء الشمال، إن اللزاقيات في منطقتها لها العديد من الاعتبارات والمناسبات المختلفة التي يتم فيها تقديمها، فمثلاً، يتم توزيعها في العيد، وتحديداً عيد الفطر فقط، كما يتم توزيعها في مناسبة "قصاص الغنم".
وتضيف "هذه المناسبة التي يقوم فيها أصحاب "الحلال" بعملية قص صوف الخروف أو الماعز، وتكون مناسبة تهم كما غفيرا من سكان المنطقة، فيقوم مالك الأغنام بتقديم ضيافة الغداء، ويتبعها توزيع اللزاقيات"، كما تبين أم منصور، بالإضافة إلى مناسبة "فك اللحد والحداد"، التي تكون في آخر يوم للعزاء، عدا عن تقديمها بالأيام العادية كنوع من إكرام الضيف.
وفي الشمال كذلك، يقوم بعض الأشخاص بإضافة الزبدة إلى اللزاقيات بدلاً من السمن أو السكر، وهي تختلف بحسب رغبة الشخص، ولكن طريقتها لا تختلف بكونها مزيجا من طحين القمح والماء فقط، وإضافة السمن أو الزيت أو الزبدة عليها، والسكر كذلك، وتصف أم منصور عجينتها بأنها قريبة في تشكيلها من عجينة "القطايف"، ولكن بدون أي إضافات، ويُفضل أن يكون تجهيزها على نار الحطب.
ويشار إلى أن اللزاقيات في الجنوب الأردني يطلق عليها البعض اسم "الفطيرة"، والتي يُشبهها آخرون على سبيل المزاح، بأنها "بان كيك البدو"، ورغم كل تلك التعابير، إلا أنها تبقى ذات طعم ونكهة ورائحة ترتبط بالتراث والذكريات وبيوت الشعر، وبيت الحجر "القعد" الذي يوضع الصاج على بابه لتفوح منه رائحة "الحب" كل صباح.