الليبرالية الاقتصادية والتنمية الاقتصادية

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، وسيادة الشعور بأن النظام الرأسمالي قد انتصر، برزت الليبرالية الاقتصادية بوصفها نموذجاً عالمياً للتنمية الاقتصادية دون منازع. وباستثناء الصين، بدأ تطبيق هذا النموذج عالمياً بشكل كبير، ابتداءً بالدول المتقدمة كبعض الدول الأوروبية والولايات المتحدة، ولكنه أصبح النموذج الاقتصادي الذي انتشر في أغلب دول العالم الثالث، التي كان اقتصادها إما اشتراكياً، أو على الأقل، التي توجد لديها ملكية لقطاعات اقتصادية كبيرة، كالعديد من الدول العربية، ومنها الأردن.اضافة اعلان
الفكرة الأساسية التي روّج لها مُنظرو هذا التيار عالمياً، والنخب السياسية والاقتصادية في دول العالم الثالث، هي أن النظام الرأسمالي الحرّ هو السبيل الوحيد للتنمية الاقتصادية. وبناءً على ذلك، ما على دول العالم الثالث سوى أن تقوم بعملية التحول للقطاع الخاص، ووضع الأطر القانونية التي تسمح بحرية الأنشطة الاقتصادية، وإزالة ما يسمى بالتشوهات التي حصلت بالاقتصاد نتيجة لتدخل القطاع العام، وإزالة العقبات أمام حرية التجارة الدولية.
الأردن لم يكن استثناءً، فمنذ بداية التسعينيات، بدأت عملية التحوّل هذه بشكل تدريجي، وتحت إشراف صندوق النقد الدولي، التي امتدت لحتى الآن، والتي كان من أبرز إجراءاتها خصخصة القطاع العام على مراحل، ورفع الدعم عن السلع، و تغيير البيئة القانونية الناظمة لعمل القطاع الخاص والاستثمار، والانضمام لمنظمة التجارة العالمية، والدخول باتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، إضافةً لاتفاقيات تجارة حرة مع بعض الدول الصديقة.
باختصار، الأردن نفذ عملية التحوّل، شأنه شأن غيره من الدول، من خلال برامج عدة بنجاح من الناحية المكتبية، ولكن لم يحقق الاقتصاد الأردني نمواً اقتصادياً يُعتد به سوى سنوات عدة في بداية الألفية الثانية، وبقت نسب النمو متواضعة طوال الفترة الزمنية المشار إليها سابقاً. بعبارة أخرى، فشل النموذج الليبرالي الاقتصادي في إحداث التنمية الاقتصادية المنشودة، وارتفعت نسب البطالة والفقر، وتعاظم العجز التجاري، وازداد حجم الديون، وازدادت الفجوة التنموية بين المحافظات وغيرها من المؤشرات.
فشل النموذج الاقتصادي الليبرالي لم يكن أردنياً فقط، لا بل طال أغلب دول العالم الثالث والدول الاشتراكية سابقاً وبعض الدول الصناعية. كان من أهم ضحايا الليبرالية الاقتصادية هو خروج الدولة من العملية الاقتصادية، وغياب التخطيط الاقتصادي، وضعف الدولة أمام المجتمع، وذلك بسبب تراجع مصادرها المالية.
إن غياب الفكر الجمعي الاقتصادي – الاجتماعي التنموي عن الإدارات الحكومية المتعاقبة، كانت له آثار سلبية جداً على الاقتصاد والمجتمع، وأدخلنا في أزمة اقتصادية مزمنة تقف الحكومات عاجزة عن عمل أي شيء نحوها.
تجربة الأردن ليست فريدة، فلم ينجح النظام الاقتصادي الليبرالي في إحداث التنمية الاقتصادية في أية دولة خارج الدول الصناعية المتقدمة. فالدول التي استطاعت إحداث التنمية الاقتصادية خارج هذا السياق لم تكن لتنجح دون دور فاعل للدولة: تخطيطاً وتوجيهاً وتحفيزاً.
ليس المطلوب التخلي عن اقتصاد السوق أو العودة لملكية القطاع العام للمنشآت، فهذا ليس ممكناً وليس مطلوباً. فالمطلوب أن تضع الدولة رؤية اقتصادية اجتماعية تنموية مستقبلية، وتتخذ الإجراءات المناسبة لتحفيز القطاع الخاص، وتوجيهه ودعمه لتحقيق هذه الرؤية، وعدم تحقيق ذلك سوف يؤدي لمزيد من التراجع الاقتصادي. هذه الرؤية يجب أن يكون عمادها التركيز على القطاعين الصناعي والزراعي.