الليرة والتضخم ونتائج الانتخابات التركية

على الرغم من السيطرة المحكمة التي يمارسها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ألقت الأوضاع الاقتصادية المتراكمة بظلالها على الانتخابات البلدية الأخيرة، حيث مُني حزب العدالة والتنمية بالهزيمة بداية الأسبوع الحالي في مدينتي اسطنبول وأنقرة بعد ربع قرن من السيطرة. وتعتبر اسطنبول، تقليدياً، مدينة أردوغان التي نشأ وترعرع فيها، وكان عمدتها في الفترة (1994 - 1998). لم تكن نتائج الانتخابات التركية الأخيرة وليدة اللحظة، وإنما جاءت تتويجاً لظروف اقتصادية صعبة انفجرت منذ العام الماضي وترافقت مع فوز أردوغان في الانتخابات المبكرة في تموز (يوليو) 2018، وبدء هجومه على المركزي التركي والتدخل في استقلاليته. في ذلك الحين، قال أردوغان أنه "عدو سعر الفائدة"، في حين كان المركزي التركي يحاول كبح جماح التضخم بعد أن تجاوزت نسبته 15.3%، وتهاوت الليرة وفقدت جاذبيتها أمام العملات الرئيسية. كانت الليرة التركية ترزح تحت وطأة التراجع، وزاد الضغوط عليها بقرارات الولايات المتحدة بسبب رفض تركيا الإفراج عن القس الأميركي المحتجز لديها في ذلك الحين. ومع أن وزير الخزانة التركي وصهر الرئيس أردوغان، براءة البيرق، تدخل لإقناع المستثمرين ومحاولة التخفيف من الهبوط، فإن الليرة استمرت في خسائرها المتراكمة حتى اليوم، لتفقد أكثر من ثلث قيمتها أمام العملات الرئيسية. ما تزال الليرة التركية تعاني من تداعيات انهيارها. وعلى الرغم من محاولات المركزي التركي استعادة التوازن بحيث وصل سعر الفائدة في أنقرة إلى ما فوق 24 % على الليرة، فإن الأمور لم تعد إلى نصابها. وقاد التضخم الذي بلغ معدله 20 % بعد خسائر الليرة إلى زيادة مستويات الأسعار نتيجة الارتفاع في كلفة الواردات. وأدى ذلك إلى تراجع مستويات المعيشة وتأكل رواتب الأتراك وألقى بظلاله السلبية على حياتهم، بخلاف سنوات الازدهار التي عاشوها مع حزب العدالة وكان عنوانها الاستقرار النقدي وتحسن مستويات المعيشة. وعلى الأثر، خفضت وكالات التصنيف الدولية الدين السيادي لتركيا بعد نزول الليرة التركية، نتيجة للتقلبات الحادة في عملتها الوطنية. كان ينبغي للذي تغنى بالاستثمار في تركيا خلال الفترة الماضية أن يقرأ المؤشرات الاقتصادية ويراجع ما حدث هناك من تراجع في قيمة الليرة أمام الدولار، بالإضافة إلى معدلات التضخم التي أصبحت تقاس بخانتين عشريتين. وقد عنى تحويل المرء أمواله العام الماضي إلى هنالك تلقي ضربات موجعة. من جهة، فقد هؤلاء أكثر من ثلث قيمة رأس المال، لأن إعادة الأموال المستثمرة هناك إلى الدولار يعني فقدان ثلث القيمة المستثمرة. ومن جهة أخرى، كان العائد الحقيقي على الاستثمار كإيداع نقدي لدى البنوك التركية في الليرة سالبا. ليست القصة مسألة تجاذبات بقدر ما هي مسألة واقع. ويدرك أردوغان هذا الواقع، وقال أن تركيا ستركز على معالجة الاقتصاد المتعثر قبل الانتخابات المقرر تنظيمها في العام 2023. وأضاف: "أمامنا مدة طويلة يمكننا فيها تنفيذ إصلاحات اقتصادية من دون التهاون في قواعد السوق الحرة". فهل يمكن أن يبدأ الزعيم التركي بإعمال آليات جديدة وسيناريوهات تعزز الإيرادات في إطار وقف التراجع، علما بأن ألمانيا سبق وأن نصحت تركيا منذ العام الماضي بالتوجه نحو صندوق النقد الدولي؟اضافة اعلان