المؤتمر 19 للحزب الشيوعي الصيني

تعتبر معطيات ومخرجات المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني دليلا لفهم السياسة الصينية والعالمية القادمة، فالعالم يسير على خطى الصين، ويبلغ الاقتصاد الصيني حوالي 14 تريليون دولار، بمعدل دخل عشرة آلاف دولار للفرد، وتخطط الصين كما تقرير الرئيس الصيني الأمين العام للحزب الشيوعي شي جين بينغ لمضاعفة معدل الدخل في السنوات الخمس عشرة القادمة إلى 30 ألف دولارما يعني ان الاقتصاد الصيني سيتضاعف إلى ثلاثة أضعاف ليقترب من 50 تريليون دولار!اضافة اعلان
وبطبيعة الحال فإن هذه النهضة الصينية المتوقعة والممكنة أيضا تغير في الاتجاهات السياسية والاجتماعية للعالم؛ إذ أن التحولات الاقتصادية تصحبها منظومة سياسية واجتماعية وثقافية كاستجابة لهذه التحولات، ففي الاستثمارات العالمية للصين والتي ستقترب من 750 مليار دولار وما يصحبها أيضا من حركة واسعة في الاستيراد والتصدير تتشكل وجهة جديدة للعالم.
يقوم التصور الصيني لاستيعاب العصر والتحولات على بناء ثقافة العمل والابتكار وعدالة التوزيع للموارد بحيث تتجه عوائد النمو الاقتصادي إلى جميع الفئات والمناطق، والانفتاح الاقتصادي والثقافي على العالم، واختصاص حزام طريق الحرير باهتمام خاص لتكون منطقة إقليمية تنشئ فيما بينها أسواقا ومرافق وطرقا وأنظمة تبادل اقتصادي وثقافي.
وبالتأكيد فإن العالم في حاجة إلى إعادة خططه الاقتصادية والاجتماعية ليستوعب التحولات الصينية، ففي التنمية الداخلية وارتفاع مستوى المعيشة في الصين سوف ترتفع الأجور وتتغير اتجاهات التصنيع والإنتاج، وفي ذلك يتوقع أن تنقرض السلع الرخيصة وذات الجودة المنخفضة، وتتغير تبعا لذلك الأسواق العالمية وبخاصة في العالم الثالث الذي صار يشكل سوقا لمنتجات وسلع منخفضة الثمن ومنخفضة الجودة أيضا، وعلى موردي السلع والمنتجات إعادة النظر في اتجاهات الاستيراد والتصنيع المتبعة، ففي صعود الطبقة الوسطى الصينية يجب أن تصعد أيضا الطبقة الوسطى العالمية وبخاصة في الدول النامية، كما ان الاتجاهات الصينية في الاستيراد من العالم ستتغير، ويحتاج ذلك بطبيعة الحال أن تعيد دول العالم خططها التصديرية لتلائم طبقة وسطى صينية هائلة مقبلة على منتجات واتجاهات وأساليب حياة جديدة.
تقترح الصين أيضا حسب المؤتمر سياسات وتوجهات عالمية قائمة على السلم والحوار والمصالح المشتركة ونبذ الحرب الباردة، واتخاذ الجيران أصدقاء وشركاء، وأن كل الدول سواء كانت كبيرة أو صغيرة؛ قوية أم ضعيفة؛ غنية أم فقيرة؛ يجب أن تكون على قدم المساواة، فمصير العالم تملكه شعوب مختلف الدول، ومستقبل البشرية يحدده خيار هذه الشعوب.. وقد يكون للتجربة التاريخية الصينية التي تخلو من الاستعمار للآخر كما أنها تحمل ذاكرة الشعور بالظلم والاستغلال بسبب الاستعمار والتأثير الخارجي في اتجاهات مضادة لمصالح الشعب والدولة مصداقية أو على الأقل أن تكون أملا جديدا ومختلفا عن التجربة الغربية والمشحونة بذاكرة الاحتلال والقوة المفرطة!
العالم مقدم على تغير كبير ويجب على جميع الدول والمجتمعات والأفراد الدخول في عملية تساؤل وتفكير طويلة وعميقة حتى لا ننزلق إلى التسول والفناء!