المتدهدهون الصغار

هم المدحرِجون - كما قال أحد القراء - وهم المدحرجون (بكسر الراء) ايضاً, بحسب ما قدمت من قبل من وصفٍ للذين واللواتي يتبعون دون إعمال عقل, ويريدون من الناس أن تتبعهم!! فهناك ساسة كبار يخططون, وهناك مسوسون ويخطط لهم.. ولاعيب في ذلك لو أن الصغار يشاركون الكبار في التخطيط أو يملكون إبداء الرأي... ولكن المسألة أن المتدهدهين الصغار لا يعملون شيئاً مما أريد لهم, فذلك في الملفات السرية والتعاليم المستترة, ومحطات التلفزة المشفرة.

اضافة اعلان

إن من خير الأمور ان يكون للمرء أو للمرأة دين يحافظان عليه ليحفظهما, ويسيّران حياتَهما بحسب قِيمهِ ونبيل مقاصده, ويتحريا هذا وذلك.. فذاك يعني باختصار تحقق "الاخلاق" التي بعث النبي الكريم لاتمام مكارمها.. غير أن من أسوأ ما يصاب به شعب من الشعوب أو أمة من الأمم انتحال زي التقى, ومن تحته تصول وتجول أفاعي الفساد والمجون والظلم والفسق والانحراف والكذب والخديعة والغش وأكل حقوق الناس, ومد اليد الى المال العام والخاص ايضاً عن طريق الربح الحرام والاحتكار والمغالاة في الاسعار.. وهذه كلها من صفات مجتمعنا المؤمن التقيّ الورع!!

وفي أمتنا اليوم حبل الاقتصاد على غاربه.. وقد دهمتنا ثقافة الانفتاح والاستهلاك, وتسيد المشهد العام رجالٌ يظهرون بمظهر من اتبع السنة واتلف سجادة الصلاة من كثرة حف جبينه بقماشها تعبداً وتهجداً.. كما تسيدت شركات وبنوك ومستشفيات وجامعات ومدارس بل وبقاليات ونفوتيهات تحمل اسم الاسلام, لتعطي الانطباع انها القائمة بحقه, وحق البشر فيها.. بينما لا يميز معظمها سوى الزام النساء على ارتداء زي معين اسموه اسلامياً (وفي الالزام مخالفة لحقوق الانسان), وعدم تعيين غير المسلم او المسلمة (معيار طائفي), وملء ردهات المكان بتلاوة دائمة من القرآن الكريم (لا عيب في ذلك طبعاً, بل هو أمر رائع من حيث المبدأ) لو كان المارة والموظفون والمراجعون والصارخون والشاتمون والمزفرون يستمعون فعلاً الى كلام الله وعظاته, ونواهيه.. لو كان المارة والمراجعون والمرضى وغير المرضى يستسلمون الى التأمل والتدبر والتفكر.. لو كان بالامكان في المستشفى والمدرسة والبنك.... و..... كان المجال ممكناً لغير شؤون الحياة وتفاصيلها الصغيرة... فلا يتحول القرآن الكريم وتلاوته إلا إلى خلفية موسيقية في مشهد الحياة اليومي والتافه.. أهكذا يبجل كتب الله؟! أيغدو القرآن الكريم مثل اي مسلسل ممل نستمع اليه دقيقة وننصرف عنه دقائق..؟ لماذا؟ لأننا حولناه الى خلفية.. في مشهد الحياة الدنيا.. في مشهد اليومي الصغير.. برغم اننا تعلمنا ان اذا قرئ القرآن فاستمعوا له. واننا لا نخلط تلاوته بأي فعلٍ آخر, واذا اضطررنا, طوينا المصحف الشريف وقبلناه, وانصرفنا الى شأننا الدنيوي دون حرج.

ان المتدهدهين الكبار ليأملون وهم يلقون بثوب "الاسلام" على مؤسساتهم ان يجعلوا من تلك المظالم التي اعتمدوها لانفسهم ولهذه المؤسسات, شركاً يوقع اصحاب القلوب الطيبة والنيات الحسنة, في براثن افكارهم عن الاسلام الذي هو الان : الاسلام السياسي وليس غير، فالاسلام السياسي ليس هو الاسلام, وليس هو السياسة في الاسلام, بل هو رؤية حزبية خالصة ذات مصالح اقتصادية واضح ومحددة, وهدف وحيد أوحد وهو "الاستيلاء" على السلطة لا المشاركة فيها.. والحكم لدى هؤلاء ليس "تداولاً" بل احادي البعد, وينفى فيه "الآخر" و "المختلف".. لذلك خدعوا المتدهدهين الصغار بأكذوبة "تطبيق الاسلام" و "الاسلام هو الحل".

ان أي فصيح او فصيحة ليستطيعان بشيء من التحليل ان يفصلا القمح عن الزيوان, وان يقولا لبائع الماء: ها هو النهر امامي.. فلا تبعني اسلاماً منفتحاً ومعتدلاً ومعاداً تركيبه وبحسب المصالح الراهنة, وانا لدي "الشريعة" (الشريعة في اللغة النهر ايضاً) اغرف منها مباشرة دون واسطة. ها هو اي فصيح او فصيحة سيكتشفان ان محافل كنيسة اسلامية قد حملت صكوكم غفران جديدة, وجعلت من نفسها واسطة بين عباد الله من مسلمين ومسلمات وبين الله, بحيث لا يكون الاسلام اسلاماً الا ذاك الذي وصفوه في خطبهم وكتبهم ومقالاتهم ووسائل اعلامهم.. بينما الاسلام البدوي.. اسلام الفطرة والطبيعة.. اسلام الصلاة حيثما نكون, والتيمم ان عز الماء, والاتصال بالخالق مباشرة.. هذا الاسلام البسيط والطيب وغير المتفذلك وغير المعتقد وغير المنكه بتوابل المال المريب وايدولوجيا الارهاب (ابتداء من الارهاب اللفظي والفكري وانتهاء بالارهاب الجسدي والجماعي).. هذا الاسلام المتواضع المحب المتآخي مع الانسانية والمتصالح مع الحياة.. صار غريباً في وجوه غريب..!!! فصار ممكناً مثلاً للسيد(...) وللدكتورة (... ) ان يفصلا ما شاء من كلام, ويقولا مقالتي ما لم اقل.. ما دامت "العامة" لا تفطن ولا تنتبه.. واذا ارادا الاقناع فعليهما ان يكونا شرسين (مع العلم انهما كانا نموذجين مثاليين للمتدهدهين الصغار الذين يطمعون ربما الى ان يصبحوا من المتدهدهين الكبار)... لقد شخصنا الحوار (حتى لا اقول المعركة. فلا نزال بين ضاربة مدفعية وضاربي فشك).. ولكي تصل الي الدكتورة (...) شتمت جميع النساء من قبلي ومن بعدي, النساء الكاتبات, مقتبسة من كتاب مجهول ما معناه ان المرأة السعيدة في بيتها (اي في زواجها طبعاً) لا تكتب!!! ولا ضرورة الان نسأل الدكتورة عن معنى السعادة الذي عليها ان تقدم وصفتها للنساء حتى لا يكتبن ولكننا نرى كلاماً ينبغي على حامله بالدرجة العلمية ان تخجل منه, لانها في النهاية تشتم نفسها (غير اني اشتم رائحة ذكرٍ متخف)!!

وان من ايسر الامور ان يلجأ المرء او المرأة الى آية كريمة ينسلها من سياقها وينتحل لها سياقاً آخر للشتم, فالقرآن الكريم ليس سلماً تصعد عليه خسة النفوس ولا قبح التوغل في الخصومة.. وبينما من ايسر الامور على ذلك السيد وسواه القول عن فلان او فلانة اذا انتجا فكراً مختلفاً انهما قد عرف عنهما "عداء الاسلام"!! فهذا كلام يأخذ الى القضاء, كما يأخذ الى القضاء كل كلامٍ عن شخص الكاتب او الكاتبة اريد به الاهانة او التعريض, فهو كالقذف ليس من لغة حوار الافكار.

ورغم ان القضاء لا يستطيع الوصول الى اصحاب الرسائل الالكترونية باسمائها المستعارة الا باجراءات معقدة, فان القاضي الاعظم الذي فيهم سيستيقظ ذات يوم, وعندئذ الى اي الجهات سيولون وجوههم خجلاً..

[email protected]