المجموعات النسائية.. ملاذ المرأة لـ"الفضفضة" والبحث عن حلول

figuur-i
figuur-i

منى أبوحمور

عمان- الشعور بالوحدة وغياب صوت العقل في حياة الثلاثينية رهف صالح هو ما يدفعها للجوء إلى مجموعات نسائية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتبث عبر منصاتها ما يواجهها من مشاكل وما يجول في خاطرها من مخاوف، علها تجد في من يجيد الاستماع ويقدم النصح.اضافة اعلان
كانت بداية رهف مع هذه المنصات عندما لفت انتباهها طرح إحدى المشاركات مشكلة خاصة، وطلبت حلا لها من جميع أعضاء الجروب، لذا راقت لها الفكرة والاستعانة بصديق، حسب تعبيرها، لكن ما شجعها هو أنه لا يوجد أحد يعرفها أو تعرفه وغير مضطرة في الوقت ذاته لأن تكشف عن هويتها الحقيقية.
تقول "مشكلتي أنني لا أجد من يسمعني بدون أن يلقى اللوم علي وفي كل مرة أسمع نفس الإجابة.. طولي بالك"، فكان لابد من أن تلجأ إلى أشخاص بعيدين عن محيطها ولا تربطها بهم صلة قرابة، لعل الصدفة تيسر لها من يشاركها في حل المشكلة. في حين بدأت رحلة عبير خالد مع المجموعات النسائية منذ سنتين تماما عندما تعرضت للإهانة من قبل أخ زوجها الذي تطاول عليها أمام زوجها ولم تكن قادرة على إبلاغ إخوتها خوفا من المشاكل.
تقول "شعرت بأنني غير قادرة على التصرف وكان لابد من أن أشارك مشكلتي مع أحد"، متابعة أنها وعند تصفحها لحسابها على "فيسبوك" وجدت إحدى صديقاتها قد شاركت على إحدى هذه المجموعات فراقت لها الفكرة، خصوصا بعد ملاحظتها التفاعل الكبير مع منشور صديقتها والتعليقات الكثيرة التي رافقته. وتردف "هناك الكثير من المواقف والمشاكل التي تتعرض لها الفتيات والنساء في حياتهن اليومية والعملية، وليس سهلا أن تناقش تلك المواقف مع أفراد العائلة أو الأصدقاء المقربين خشية المواجهة، أو سماع انتقادات غير مقبولة".
الكم الكبير من التعليقات التي يتركها أعضاء المجموعة تساعد بشكل كبير على تحديد المواقف من المشاكل التي تواجهنا في كثير من الأحيان وتساعدنا على اتخاذ موقف جدي بعيدا عن المشاعر، وفق ختام العقرباوي التي اتخذت قرار الانفصال عن زوجها من خلال إحدى المجموعات النسائية.
بدأ انجذاب العقرباوي لتلك المجوعات بعد أول منشور لها وضعته بعد أن نصحتها صديقتها بهذه الطريقة لأخذ رأي أشخاص غرباء في مشكلة زواجها.
تقول "كنت بحاجة لأحد ينظر إلى حياتي الزوجية بعين مختلفة ويساعدني على معرفة وضعي"، فبدأت بكتابة منشور يومي على المجموعة وبدأ التفاعل بينها وبين عضوات المجموعة اللواتي تجابن معها وأصبحت تشاركهن حياتها اليومية وما تتعرض له من مشاكل وعنف من قبل زوجها بشكل يومي حتى انتهى بها الأمر بالطلاق بعد أن شجعنها جميعا على هذا القرار ووضع أهلها تحت الأمر الواقع.
اختصاصية الإرشاد النفسي والتربوي خبيرة العلاقات الزوجية الدكتورة سلمى البيروتي، تلفت إلى أن الإنسان بطبيعته يواجه العديد من التحديات والصعوبات والمشاكل ولا نستطيع مشاركة تلك التفاصيل مع أي أحد، خوفا من إصدار أحكام متسرعة عليه أو أخذ فكرة خاطئة.
وتشير، بدورها، إلى أن غياب الإنسان الداعم أو المجتمع الداعم في العائلة وأفراد الأسرة في المحيط القريب والشعور بالوحدة في مواجهة المشاكل، يدفع العديد من النساء والفتيات للبحث عن أشخاص جدد يشاركونهم المشاكل وإن لم يكونوا على معرفة بهم، فهم على الأقل لن يطلقوا الأحكام عليهم. وتلفت إلى أن الأفضل دائما أن تكون الاستشارة صادرة من أحد الأشخاص المختصين ممن لديهم خبرة كافية بتقديم الدعم والاستشارة.
وتعتقد البيروتي أن اللجوء إلى هذا النوع من المنصات هو لجوء خاطئ، فصاحب المشكلة غير واثق إن كانت هذه المشورة علمية أم لا، وإن كانت عن دراية أم لا، والأفضل اللجوء لأهل العلم والاختصاص وأشخاص يحسنون الاستماع ويعطون حلولا صحيحة. وتؤكد أن غياب الدعم النفسي في الدائرة القريبة والتقدير الخاطئ لبعض المشاكل وتوجيه الانتقادات غير المبررة لصاحبة المشكلة، كلها أسباب تدفع بالفتيات والنساء إلى اللجوء لهذه المنصات.
في حين يجد الاختصاصي الأسري مفيد سرحان أن الإنسان اجتماعي بطبعه، بمعنى أنه لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن الآخرين مهما كان موقعه أو ثقافته أو مستواه الاجتماعي، فهو يحتاج الآخرين وهم يحتاجونه والحاجة ليس بالضرورة أن تكون مادية، فالغني كما الفقير يحتاج للآخرين، فمجالسة الناس حاجة وتبادل الآراء والترفيه أيضاً، والنصيحة وطلب الاستشارة، كما الحديث والفضفضة حاجة يعبر فيها الشخص عما بداخله، وهي مهمة في نقل الفائدة والخبرة وتقليل التوتر والبعد عن الكبت الذي له آثار نفسية وصحية خطيرة. ويضيف سرحان أن الأسرة هي الحصن الأول الرئيس لتبادل المشاعر والأحاديث بين أفرادها إذا سادها روح الحوار والصراحة وشعر الجميع فيها بالأمان وبأنها قادرة على تلبية الاحتياجات؛ حيث يكون الوالدان فيها مرجعية للأبناء، والأصل أن يمتلكا من المهارات ما يمكنهما من مساعدة الأبناء وتفهم حاجاتهم وأن تكون العلاقة داخل الأسرة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.
ويبين "إذا غاب الحوار أو اضطربت العلاقة بين الزوجين وساد الخلاف فقدت الأسرة أهم مقوماتها ولم تعد المرجعية والحضن الدافئ لجميع أفرادها"، فيلجأ الأفراد إلى نقل أسرارهم وأسرار الأسرة إلى خارجها.
وهناك دائرة أخرى، بحسب سرحان، هي دائرة الأصدقاء الثقات الذين من الممكن أن يلجأ الشخص إلى استشارتهم في بعض الأمور شريطة المحافظة على الأسرار الخاصة وأن يكون الصديق قادراً على المساعدة. ويلفت سرحان إلى أن بعض الفتيات والنساء يلجأن إلى المنصات الالكترونية سواء من خلال الحديث أو الكتابة لعرض مشاكلهن الخاصة وطلب المشورة الرأي وهذا الأسلوب خاطئ، ولا يحقق الهدف بل ربما يعرض الشخص لكشف أسراره وابتزازه، أو على الأقل لا يمكن التأكد والوثوق بما يقدم من آراء لأنها يمكن أن تكون من أشخاص غير مؤهلين.
والأصل فيمن يقدم الحلول والاستشارات أن يكون مؤهلاً وأن يعرف تماماً المشكلة وظروف وطبيعة صاحبها وأن يمتاز بالأمانة والحرص على أسرار الآخرين وخصوصياتهم.
وقد تنتج مشكلات اجتماعية أكبر من المشكلة المراد حلها بسبب اعتماد وسائل غير مأمونة، مما يفاقم المشكلة ويصعب الحل وتعريض خصوصيات الفتاة أو السيدة وأسرتها للنشر واطلاع الآخرين عليها.
وفي حالة عدم قدرة الأهل أو الأصدقاء المقربين على تقديم المساعدة، فيمكن اللجوء إلى الاختصاصيين والمستشارين الاجتماعيين المأمونين الذين لديهم خبرة وقدرة والأفضل أن تكون سيدة؛ حيث يمكن شرح تفاصيل أكثر عن المشكلة، ومثل هؤلاء موجودون لدينا سواء ممن يعملون في مؤسسات معروفة أو أشخاص عرفوا بهذا العمل.
ويبيين سرحان أن لجوء بعض الفتيات والنساء إلى مثل هذه المنصات الالكترونية إلى غياب ثقافة الحوار داخل الأسرة هو السبب الرئيس لهذه الممارسات وعدم اكتساب الوالدين مهارات التربية الصحيحة وضعف التواصل أو الاستماع إليهم أو تقديم حلول نظرية لا تتناسب مع طبيعة الأبناء وظروف الحياة ومتطلباتها ضمن دائرة القيم والأخلاق. ويستدرك سرحان جهل الفتيات والسيدات بخطورة مواقع التواصل وضرورة التعامل معها بحذر وعدم إفشاء الأسرار والخصوصيات وأحياناً الرغبة في تقليد الآخرين ومحاكاتهم أو التسلية وإضاعة الوقت. أما التواصل مع الغرباء، فيجد سرحان أنه دليل على ضعف العلاقات بين أفراد الأسرة والمقربين، إضافة إلى عدم الرغبة في إطلاعهم على بعض الأمور الخاصة لتبقى الصورة لديهم مثالية عن الشخص.
وهذا مفهوم خاطئ لأن كل إنسان لديه مشكلات، وهذا لا يعيب الشخص، فطبيعة الحياة لا يمكن أن تخلو من المشكلات لكن المهم كيف نتعامل معها ونصل إلى الحلول المناسبة التي تحافظ على كرامة الإنسان وحقوق الآخرين.