
محمد الكيالي وعبدالرحمن الخوالدة
أثار قرار الحكومة بشأن التعديل الجزئي على قرار منع حبس المدين أمس، تساؤلات حول انعكاساته على الحركة الاقتصادية، وعما إذا كان منصفًا للأطراف المعنية بمشكلة الدين، كما ثار تساؤل حول ما إذا كانت الحكومة حاولت “إمساك العصا من المنتصف” بقرارها، سعيا منها لمنع إلحاق ضرر بصغار المدينين.
وكان بلاغ منع حبس المدين الذي جاء ضمن حزمة قرارات تتعلقة بجائحة كورونا، أثار جدلا واسعا بين مؤيد ومعارض للقرار، حيث رأى حقوقيون أنه يسهم في التخفيف عن المتعثرين في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، فيما رأى قانونيون واقتصاديون أنه “غير عادل”، وحابى طرفا على آخر.
وفي المجمل، أثار قرار الحكومة أمس، تفاؤلا حذرًا في أوساط قانونيين واقتصاديين، ممن رأوا أن هذا القرار سينعش، وإن على نحو محدود، الحياة الاقتصادية في البلاد، ويسهم في تحريك عجلتها مؤقتا، على الرغم من أنهم كانوا يأملون بإلغاء أمر الدفاع نهائيًا، لاسيما وأن أمر الدفاع الأول ألحق ضررًا حقوقيا بالغاً بأصحاب الديون الذين لم يستطيعوا تحصيل ديونهم طوال ثلاثة أعوام، بسبب تجميد حبس المدين إثر تداعيات كورونا.
وفي المقابل ترك القرار تفهما من قبل هؤلاء، الذين رأوا أن الحكومة حاولت إمساك العصا من المنتصف، مراعاة للضائقة الاقتصادية العامة التي يمر بها المواطن جراء تداعيات كورونا، وارتفاع الأسعار بسبب الظروف الدولية، خصوصا وأن الناس مقدمون على شهر رمضان المبارك وعيد الفطر، بما يحملانه من زيادة في الاستهلاك والنفقات.
عموما، فيما أصدر رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة بلاغاً أمس بتعديل أمر الدفاع رقم (28) لسنة 2021 وتمديده حتى تاريخ 30/ 4/ 2023، وصف نقيب المحامين القرار بأنه “خطوة إيجابية تسبق إلغاء أمر الدفاع بشكل نهائي”.
وبموجب البلاغ، تم تعديل البند (الأول) من أمر الدفاع القاضي بتأجيل تنفيذ قرارات حبس المدين الصادرة بموجب قانون التنفيذ؛ ليصبح 20 ألف دينار بدل 100 ألف كما كان معمولا به سابقا.
كما تم تعديل البند (الثاني) من أمر الدفاع ذاته والمتعلق بوقف تنفيذ الأحكام الجزائية التي تقضي بعقوبة الحبس في الجرائم المتعلقة بإصدار شيك لا يقابله رصيد في القضايا التي لا يتجاوز مجموع قيمة الشّيكات فيها 100 ألف دينار بحيث أصبحت القيمة 20 ألف دينار.
وفي هذا السياق، قال نقيب المحامين يحيى أبو عبود إن التمديد الأخير يختلف عن المرات السابقة وبشكل إيجابي.
وأوضح أبو عبود لـ”الغد” أنه “في السابق كان يجري التمديد لمجرد التمديد وكان ترحيلا للأزمة، حيث إن آخر تمديد تم في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) العام الماضي، وتم تمديد أمر الدفاع لمدة شهر مع إشارات صارمة من الحكومة بأنه سيتم بحث الموضوع في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) 2023 بعد وضوح الأرقام الواردة من المجلس القضائي”.
واعتبر أن قرار الحكومة أمس، يعد “خطوة ثانية في حل المشكلة حيث تمت مراعاة اقتراب شهر رمضان والعيد المبارك”.
ولفت إلى أن الحكومة قامت بتخفيض قيمة المبالغ التي سيكون صاحبها المدين محميا بعدم تنفيذ قرار الحبس بحقه، وجعل أصحاب الديون التي قيمتها أقل من 20 ألف دينار والشيكات الأقل من تلك القيمة، أمام مهلة حتى نهاية نيسان (إبريل) المقبل.
وأضاف: “من يتجاوز دينه سقف 20 ألف دينار يطبق عليه القانون ويدخل حيز التنفيذ الحالي”.
وأشار أبو عبود إلى أن هذا القرار “قسّم أعداد المطلوبين وقلّل منهم، فالقانون الأول الذي شمل الدّين فوق 5 آلاف دينار، كان أعداد الذين ينطبق عليهم فوق 100 ألف شخص، ولكن الآن من يتجاوز دينهم 20 ألف دينار وصولا إلى 100 ألف دينار تنحصر أعدادهم بنحو 20 ألف شخص”.
وأكد نقيب المحامين أن القرار الأخير هو “خطوة نراها كنقابة محامين إيجابية”.
وقال: “مع أننا نقف إلى جانب إلغاء أمر الدفاع بأكمله، لكن التعامل بهذا الأسلوب يعدّ خطوة إيجابية وحلا تدريجيا يُراعى فيها جميع المصالح والحقوق”، مضيفا “نأمل في 30 نيسان (إبريل) المقبل بإلغاء أمر الدفاع نهائيا”.
تجدر الإشارة إلى أن العدد الكلّي للمطلوبين في قضايا الديون المدنية يبلغ (157367) شخصاً، منهم (137715) شخصاً ديونهم أقل من 20 ألف دينار ويشملهم البلاغ، في حين ستُرفَع الحماية التي كان يشملها أمر الدّفاع منذ إصداره العام الماضي وجرى تمديده 4 مرات عن (19652) شخصاً ديونهم أكثر من عشرين ألف دينار.
أما في قضايا الشيكات التي لا يقابلها رصيد فإن العدد الكلي للمطلوبين هو (30669) شخصاً وستستمر حماية (17518) شخصاً منهم تقل ديونهم عن عشرين ألف دينار بموجب تعديل وتمديد أمر الدِّفاع، وترفع الحماية عن (13151) شخصاً تتجاوز قيمة شيكاتهم هذا المبلغ.
إلى ذلك، قال المحامي الحقوقي علي نوفل، إن من الواضح أن الحكومة بدأت بالتدرج للعودة عن حبس المدين من خلال تخفيض قيمة الدين من 100 ألف دينار إلى 20 الف دينار كحد أدنى كموجب للحبس التنفيذي.
وأوضح نوفل أن الخطوة على الرغم من أنها غير كافية في ظاهرها، إلا أنها ستساهم جزئيا بتحصيل بعض الديون لمستحقيها، والتي من شأنها تنشيط العجلة الاقتصادية بشكل أو بآخر.
وأضاف أن التأخير في موضوع عودة حبس المدين وفق قانون التنفيذ المعدل ما يزال يحرم عددا كبيرا من أصحاب الحقوق المعلقة من تحصيل حقوقهم المالية، إذ إن الحكومة لم تأخذ بعين الاعتبار هذه الحقوق الواجبة التحصيل منذ مدة.
وقال إن من الواضح أن الحكومة أخذت بعين الاعتبار القدرة الاستيعابية للسجون، إذ إن عدد المدينين الذين تبلغ قيمة قضاياهم أكثر من 20 ألف دينار لا يشكلون عددا كبيرا من المدينين، بينما من كانت قيمة القضايا المقامة عليهم أقل من 20 ألف هم السواد الأعظم من المدينين.
تعديل امر الدفاع رقم (28) قرار جريء في ظل الظروف الاقتصادية السائدة.
َإلى ذلك، رأى اقتصاديون بأن تعديل أمر الدفاع المتعلق بحبس المدين يعد “خطوة إيجابية مقارنة بالظروف الاقتصادية السائدة في المملكة، وإن كان القرار يمثل حلا مجتزأ بالنسبة لهذه المشكلة الكبيرة التي واجهت المشهد الاقتصادي خلال العامين الماضيين”.
وبينوا أن هذا القرار سيساهم في تسوية كثير من المسائل المالية العالقة التي واجهت الكثير من التجار والصناعيين مؤخرا، وسيساعد في تحسن التدفقات المالية للسوق، خاصة وان القرار سيدفع بعض الجهات التي كانت تستغل أوامر الدفاع للهروب من التزاماتها على الرغم من قدرتها على السداد.
وفي هذا الصدد، أكد نائب رئيس غرفة صناعة الأردن موسى الساكت أن هذا التعديل “إيجابي وإن كان لا يقدم حلا حقيقيا للمشكلة، مبينا بأن هذه المشكلة ذات مسارين، الأول يمثل متعثرين حقيقيين، وهؤلاء نقدر ظروفهم ويمكن من خلال التسويات ان تحل مشكلتهم، والقرار يشكل إنصافا لهم، أما المسار الثاني فيمثل فئة مستغلة وجدت في أوامر الدفاع وسيلة للهروب من مسوؤلياتها، وسيكون تعديل أمر الدفاع رادعا حقيقيا لها”.
وأوضح الساكت أن القطاع الصناعي جزء من المشهد الاقتصادي الذي عانى كغيره من القطاعات من مشكلة الشيكات وعدم الالتزام بالسداد، وان هذا التعديل سيساهم في التخفيف على الصناعيين الذين تضرروا من ذلك مؤخرا، وسينعكس إيجابا على أعمالهم.
وأكد أهمية العمل على إيقاف أمر الدفاع السابق نهائيا، وإيجاد حلول موازية تحفظ حق الأطراف كافة، إضافة إلى ضرورة وجود أدوات وعقوبات بديلة تردع المتعثرين من عدم الوفاء بديونهم، وفي الوقت ذاته تمكنهم من إيجاد سبل للسداد.
بدوره، اعتبر التاجر جمال الرفاعي تعديل امر الدفاع بأنه “قرار إيجابي وجريء مقارنة بالظروف الاقتصادية السائدة، وفيه شي من العدالة للطرفين، في ظل هذه الظروف”.
وبين الرفاعي أن التعديل “سيدفع الكثير من المتعثرين إلى طلب التسوية والتفاهمات مع الدائنين، إضافة إلى أنه سينجم عن ذلك تحسن في التدفقات المالية إلى السوق وإنعاش حركته، وهذا أمر إيجابي في الظروف الحالية”.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة أن قرار التعديل يعد “تحركا إيجابيا ومهما للتخفيف من حدة هذه المشكلة التي واجهت الكثيرين منذ الجائحة، وسيكون له أثر إيجابي إلى حد ما على الأطراف المتضررة، والمشهد الاقتصادي”.
وطالب مخامرة بضرورة تسريع العمل بإيقاف أوامر الدفاع المتعلقة بحبس المدين، لأن عكس ذلك سيشكل “ضررا على الاقتصاد الوطني والمعاملات التجارية على المدى الطويل، ما يتطلب من الحكومة أن تجد مقاربات قانونية لإنهاء المشكلة التي قد تتحول إلى معضلة مستدامة”.