المديونية في زمن كوفيد 19 والاقتراض الداخلي

د. مسنات الحياري*

تسببت جائحة كوفيد 19 في انهيار اقتصادي هو الأشد حدة منذ الحرب العالمية الثانية، بانكماش متوقع للناتج العالمي بنسبة 5.2 % خلال العام 2020، وذلك على الرغم من تدابير التحفيز الضخمة التي اتخذتها العديد من الحكومات في مختلف دول العالم.
أما على الصعيد العربي فقد بدا وكأن دول المنطقة أكثر تضررا بالمقارنة بالمتوسط العالمي، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي انكماشا للاقتصاد العربي بنسبة 5.7 % خلال العام الجاري جراء توقف الإنتاج والتراجع الكبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية نتيجة انهيار الطلب العالمي.
كما بات من المؤكد أن حركة الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة والعالم ستتأثر هي الأخرى بالجائحة وستتراجع خلال العام 2020، خصوصا وان دول المنطقة لديها روابط مهمة مع الدول الرئيسة المصدرة للاستثمار وفي مقدمتها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين واليابان. ان الدول اليوم أكثر مديونية مما كانت عليه قبل عشر سنوات، وإن حجم الدين العام ازداد في البلدان المتقدمة بمقدار النصف لكن في المقابل تدنت أسعار الفائدة التي تتقاضاها البنوك المركزية.
وفي الأردن أصدرت دائرة الإحصاءات العامة النتائج الأولية للتقديرات الربعية للناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة للربع الأول من العام 2020، حيث أظهرت النتائج نموا بلغت نسبته 1.3 % خلال الربع الأول من العام 2020 مقارنة بالربع الأول من العام 2019. ويعرف إجمالي الناتج المحلي (GDP) أنه القيمة السوقية لكل السلع النهائية والخدمات المعترف بها بشكل محلي والتي يتم إنتاجها في دولة ما خلال فترة زمنية محددة وغالبًا ما يتم اعتبار إجمالي الناتج المحلي للفرد مؤشرًا لمستوى المعيشة في الدولة.
كما أظهرت التقديرات الأولية أن معظم القطاعات قد حققت نموا ايجابيا خلال الربع الأول من العام 2020 مقارنة بالربع الأول من العام 2019. وتشير النتائج إلى أن قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية حقق أعلى معدل نمو خلال هذه الفترة، حيث بلغت نسبته 2.8 %، ثم قطاع المالية والتأمين والعقارات بمعدل نمو بلغت نسبته 2.4 %، تلاه قطاع الزراعة بمعدل نمو بلغت نسبته 2.3 %، ثم قطاع منتجي الخدمات الحكومية بمعدل نمو بلغت نسبته 2.0 %.
وعلى صعيد المساهمات القطاعية في معدل النمو المتحقق خلال الربع الأول من العام 2020 والبالغ 1.3 %، فقد ساهم قطاع المالية والتأمين والعقارات بما مقداره 0.46 نقطة مئوية، في حين ساهم قطاع منتجو الخدمات الحكومية بما مقداره 0.29 نقطة مئوية من إجمالي معدل النمو المتحقق، وساهم قطاع الخدمات الاجتماعية والشخصية بما مقداره 0.24 نقطة مئوية، وساهم قطاع الزراعة بما مقداره 0.12 نقطة مئوية من إجمالي معدل النمو المتحقق.
ولا بد من تغيير المديونية من مديونية تسديد نفقات جارية من رواتب ومصاريف إدارية ومنافع وظيفية وغيرها الى مديونية تمويل مشاريع تنموية وتأهيل بنية تحتية من أجل جذب استثمارات متنوعة ومتكاملة وشاملة.
وفي نهاية كانون الثاني من العام الجاري ارتفع إجمالي الدين العام الأردني إلى 30.214 مليار دينار (42.62 مليار دولار)، ليمثل 96.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2020. وارتفع رصيد الدين الخارجي بنحو 12.5 مليون دينار ليصل إلى 12.351 مليار دينار، تمثل 39.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2020، مقابل 12.338 مليار دينار تمثل 39.6 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره لعام 2019.
وارتفع كذلك صافي رصيد الدين العام الداخلي إلى 16.46 مليار دينار تمثل 52.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر لعام 2020، مقارنة بنحو 16.459 مليار دينار، تمثل 52.8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي المعاد تقديره لعام 2019.
كما ارتفعت المديونية الى 32 مليار دينار خلال شهر حزيران وتكمن المشكلة الاساسية في الدين العام انه يوجد دائما قروض جديدة واعادة جدولة حيث تمول الحكومة العجز من الدين الداخلي او الاقتراض الخارجي ويدفع الأردن مليار دولار فؤائد للقروض وهناك تزايد في المديونية وتراجع الايرادات كما أن المصروفات عالية جدا ولا يوجد نشاط اقتصادي وبالتالي لا توجد ايرادات وهذا يقود الى ارتفاع الاقتراض وارتفاع الدين العام وارتفاع نسبة البطالة.
ويصف الإصدار الجديد من تقرير البنك الدولي المعنون «الآفاق الاقتصادية العالمية» المشهد الصعب في الكثير من البلدان النامية، ويرصد مخاطر كبيرة تُنذِر بإفساد هذه الآفاق. ومن هذه المخاطر اشتداد وتيرة تراجع معدل النمو العالمي، وتوتر الأسواق المالية، وتزايد الحواجز التجارية. وبلغ معدل نمو التجارة العالمية أدنى مستوى له منذ الأزمة المالية 2008-2009، إذ إن الحواجز التجارية في الاقتصادات الرئيسة ترفع التكاليف وتخلق حالة من عدم اليقين حول قواعد التجارة وسلاسل التوريد.
ويخفض التقرير تنبؤات البنك الدولي لمعدل النمو العالمي في 2019 إلى 2.6 %، وهو أدنى مستوى في ثلاثة أعوام، مع احتمال أن يستقر في نطاق 2.7 %-2.8 % في 2020-2021. ومع تراجع النمو العالمي تتفاقم التحديات التي تعوق الاستثمار في الكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية التي تخلَّف فيها معدل نمو الاستثمار عن متوسطاته في الأمد الطويل منذ العام 2012. ويُضعِف نقص الاستثمار آفاق النمو في المستقبل، ويُبرِز صعوبة تلبية الاحتياجات الاستثمارية الواسعة في مجالات التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية وغيرها.
وتتمثل الرسالة الرئيسة للبنك الدولي في تخفيف حدة الفقر وتعزيز الرخاء الذي تتحسَّن فيه مستويات المعيشة للجميع، بما في ذلك على وجه الخصوص الذين هم في أدنى شرائح توزيع الدخل. ويُورِد التقرير الجديد تفاصيل الصعوبات الإضافية التي تواجهها البلدان منخفضة الدخل في سعيها لتحسين مستويات المعيشة. وقد ارتقى عدد من البلدان منخفضة الدخل إلى مصاف البلدان متوسطة الدخل بين عامي 2000 و2018، لكن الكثير من البلدان منخفضة الدخل اليوم ازدادت فقرا وتفاقمت فيها أوضاع الهشاشة وتجد نفسها محرومة من حيث الموقع الجغرافي وتعتمد اعتمادا كبيرا على زراعة الكفاف.
ولتحقيق الازدهار، يجب على اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية زيادة الانفتاح، وتحرير الأسواق والأسعار، وتدعيم القوانين والأنظمة التي تحمي حقوق الملكية، وتتيح المنافسة، وتشجيع الاستثمار وجذب المستثمرين وتسهيلات اكثر للمستثمرين والتركيز على الصناعة والزراعة وتخفيض الفوائد ووقف الاقتراض الداخلي لتوفير السيولة وخفض الضرائب والرسوم او إلغائها مؤقتا وصرف العلاوات المجمدة لتشجيع القوى الشرائية.

اضافة اعلان

*خبيرة اقتصادية