المراهقون في الخطاب الإسلامي

محمود أبو فروة الرجبي*

 

لن أكون مبالغاً حينما أقول إن المراهقين خارج التغطية العامة والخاصة في الخطاب الإسلامي، وأنهم يقعون نهباً لخطابات الآخرين، لأنها أكثر واقعية وقرباً منهم.
قبل الخوض كثيراً في هذا الموضوع، لا بد من الإشارة إلى الخلاصة فيه، وهي أن الخطاب الإسلامي لا علاقة له من بعيد أو قريب بالمراهقين، بل هو يقدم لهم ما يقدم للكبار في أحيان، ويحيلهم إلى أطفال في أحيان أخرى؛ فيتعامل معهم بمفهوم مشوه. وهو بذلك غير قادر على التعامل معهم بشكل صحيح.
وإذا أشرنا مرة أخرى إلى المثالية المطروحة في الخطاب الإسلامي التي تحول كل شيء في غالب الأحيان إلى كلام إنشائي لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يشتبك مع الواقع الا من برج عاجي مليء بالوعظ والإرشاد، بعيد عن الغوص في المشكلات والحاجات، فإننا نقف أمام موقف غريب، بل الأغرب هو كيف تصل الدعوة إلى هؤلاء، وحال الخطاب هكذا؟
للأسف، فإن القائمين على الخطاب الإسلامي متأثرون ببعض علماء التربية الذين يحاولون أسلمة هذا العلم بطريقة غير علمية. وهم في ذلك لا يراعون العلم الضخم، والأبحاث الهائلة التي قيلت في هذا المجال، بل يتم اختزالها بطريقة توافق فهمهم الخاص للدين. لذلك، تجد في هذا المجال من يرفض مصطلح المراهقة، ويعده غير دقيق، مع أن الأمر عكس ذلك؛ فحسب اعتقادي هو مصطلح دقيق جداً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: إذا كنا لا نعترف بمصطلح، ولا نقدر ما هي الصفات التي تصاحب هذه المرحلة العمرية، فكيف بمكن لنا صياغة خطاب مناسب لهم؟
المراهقة مرحلة انتقالية مليئة بالمتاعب، والسبب أن مجتمعنا في غالب الأحيان غير مؤهل للتعامل مع هذه الفئة؛ فهناك صفات وسلوكيات عديدة يقوم بها المراهقون، يمكن ذكر بعضها هنا مثل: البحث عن الذات والموقع في المجتمع، وإيصال الصوت للآخرين، وظهور الميول الجنسية وما يرافقها من شعور بالذنب، ومحاولة اكتشاف العلاقات بين الأشياء، وقوانين الكون، والحياة، والقدرة على أخذ موقع فيها. إضافة إلى أن التوثب الذي يشعر به المراهق، مع وجود عقبات اجتماعية وسننية (أي قوانين الكون)، تجعله في بعض الأحيان محبطا، وغير قادر على فهم لماذا يقف الآخرون في طريقه –حسب طريقة تفكيره- أو لماذا تعانده الحياة!
وفي هذه المرحلة تزداد الحساسية نحو الأشياء في وجدان المراهق، وهو يشعر دائماً ان الظروف كلها ضده، وأن الناس لا تفهمه. وتتحول العائلة في هذه الحالة إلى مجموعة من السجانين، أو الواقفين كعقبات في وجه طموحه ورغباته.
وهذا كله يؤدي إلى تمرد المراهق على عائلته والمجتمع، وحزنه الدائم، وشعوره أن البيئة المناسبة له هي أصدقاؤه وليس عائلته؛ فهو لم تكن له يد في اختيار هذه العائلة، ولكن له الحرية في اختيار أصدقائه الذين هم على عكس عائلته؛ متفهمون له ولاحتياجاته.
وبخصوص المضمون الذي يحب المراهق أن يراه أو يسمعه أو يتفاعل معه في الإعلام، فهو يندرج ضمن المواصفات الآتية:
أولاً: يقدم متعة كبيرة، ويجعلها في مقدمة أولوياته.
ثانياً: يجيب عن أسئلته الكثيرة بطريقة واقعية وعلمية، وقادرة على مخاطبة طريقته في التفكير، والتعامل مع احتياجاته على أنها مهمة وليست تافهة أو سطحية.
ثالثاً: فيه الكثير من التحدي الذي يجعل عقله يتحرك دائماً.
رابعاً: يعطيه نماذج يستطيع من خلالها التعامل مع المحيطين به، وفي الوقت نفسه يتمكن من تطوير أدواته وقدراته.
خامساً: يعتمد على الصراع الدرامي والبرامجي المتصاعد، بحيث يلقط المراهق أنفاسه وهو يتابع المواد المبثوثة أو المنشورة كي يصل إلى النهاية.
ومع متابعة ما يقدم في وسائل الإعلام التي تنطلق من الإسلام، فإننا نلاحظ ما يأتي:
أولاً: هناك قلة من البرامج التي تقدم لهذه الفئة، بل إن هناك وسائل إعلام كاملة لا تقدم لهم شيئاً، أو أنها تقدم برامج عنهم موجهة للآباء والأمهات، ولكنها تحاول تطويع وليّ عنق المبادئ العلمية للتربية للتوافق مع بعض أفهام فئات من المسلمين للإسلام. وهي تتعامل مع المراهق وكأنه خاطئ بحاجة إلى تقويم، وليس إنسانا يريد بناء نفسه، والتواؤم مع محيطة بطريقة سلسة.
ثانياً: القليل جداً الذي يقدم في هذه الوسائل ممل جداً، ومليء بالوعظ والإنشاء والمثاليات، بل إن تجربتي الشخصية في طرح بعض الموضوعات التي تتعلق بالمراهقين قوبلت بالرفض من الناس العاديين؛ فهم يعتقدون أن مجرد طرح مشكلة موجودة يعني الاعتراف بها على أنها صحيحة، وهذا مخالف للإسلام. وذلك كله له علاقة بطريقة التفكير المعوجة التي تكسر المرآة لأنها عكست الشكل غير الجميل، ونتناسى أنها مجرد مرآة تعكس ما تراه فقط.
والمشكلة أن العقل الجمعي المسلم لا يتقبل مناقشة المشكلات في غالب الأحيان، بل يقفز دائماً إلى ترديد مقولة: الإسلام قال كذا وكذا، متناسين أن أي دين أو مبدأ في العالم يتعرض لبعض الانتكاسات أثناء التطبيق على أرض الواقع لأنه يتعامل مع بشر وليس آلات، وهذا لا يشكل عيباً في المبدأ نفسه.
ثالثاً: الخطاب الإسلامي لا يجيب عن أسئلة المراهقين حول الكون والحياة. ويزداد الأمر صعوبة إذا كان الأمر متعلقاً بالعلاقات بين الجنسين؛ فكل ما يقال في الموضوع هو المنع والتوبيخ، وطرح قصص ساذجة لإقناع الشباب بالابتعاد عن هذه العلاقات، بدون وجود أساليب إقناع متطورة تخاطب العقل والوجدان معاً.
والمراهق يشعر أن الحب والعواطف هما جزء مهم من الحياة، لكن الخطاب الديني يتعامل معهما كأشياء تافهة.
رابعاً: ما يقدم للمراهقين في هذه الوسائل مثله مثل المضمون العام المقدم في الخطاب الإسلامي؛ باهت وبعيد عن التحدي. والغريب أن الغرب الغارق في الملذات، هو نفسه الأكثر إنتاجاً في العالم، وهذا لا يعني أننا نريد لأنفسنا أن نكون كذلك، بل أن نعرف أن الترفيه جزء مهم من عملية الإنتاج؛ فالإنسان الذي يمتلك ثقافة الترفيه هو أقدر على الإنتاج، والسير في الحياة بطريقة صحيحة.
خامساً: الخطاب الإسلامي عاجز عن إعطاء نماذج للمراهقين يستطيعون محاكاتها من أجل الإجابة على الأسئلة الحائرة في حياتهم؛ فمعظم ما يقال قصص فيها مبالغة وقديمة، وقد لا تنفع كثيراً للعصر الحديث الذي فيه مستجدات تجعل ما تم إنتاجه أمس -أي قبل يوم- غير فاعل.
وبعد، حينما يتحرر العقل الجمعي المسلم من طريقة التفكير المعوجة، وعندما يتحرر الإعلام الإسلامي من سيطرة المال الذي يعتقد أن الحياة لا تسير الا بالتراث فقط واعتماداً عليه، بدون إعمال العقل والاجتهاد فيه، وإذا لم يمتلك العاملون في الإعلام الإسلامي الشجاعة الكافية لتقديم مضمون يؤمن بالمدرسة التي تقول إن مهمة الإعلام الأولى هي الإمتاع والترفيه، وبعدها تأتي الأشياء الأخرى، وإذا لم نحترم العلم، وما توصلت إليه الأبحاث في مجال المراهقين.. فإننا لن نتقدم خطوة.

اضافة اعلان


*كاتب أردني