ضيوف الغد

المريض صفر

تتمثل قوة الفيروس المستجد في قدرته على مداهمة النظام الصحي للدولة؛ بحيث يتسبب بدفع عدد كبير من الحالات المرضية مرة واحدة إلى وحدات العناية الحثيثة، هذا الضغط المفاجئ على جهاز الرعاية الطبية يؤدي إلى انهيار المنظومة الصحية مما يؤذن بانهيار النظام العام ككل تحت ضغط الحاجة الملحة للعلاج لعدد كبير بذات التوقيت، وهنا يسهل فهم آلية المواجهة المعتمدة على احتواء المرض عبر الحد من انتشاره من خلال قرار وقف التجمعات وضبط حركة السكان إلى أدنى حد ممكن ليتسنى التقليل من الدفعات المرضية التي يتلقاها الجهاز الطبي ضمن القدرة الممكنة للمواجهة لعدد محدد في ذات الفترة الزمنية.
إذن المرض بحد ذاته ليس قاتلا، ولكن الأعداد الناتجة عن المرض يصعب توفير العناية لها دفعة واحدة وهذا ما يميز هذه الجائحة العالمية.
يصف العلماء الفيروس المستجد بذي السلوك المفاجئ أحيانا وغير المفهوم أحيانا أخرى، ويتشابه بعض مصابيه بحالة ماري مالون أو ما عرفت بـ (ماري تيفوئيد) وهي أول امرأة عُرف أنها ناقل عديم الأعراض للتيفوئيد، ففي حالة الكورونا تساعد فترة الحضانة الطويلة نسبيا، التي قد تزيد على 14 يوما، بإمكانية انتشار المرض بشكل أوسع دون بروز أي إشارات إصابة، فقد يصاب به الإنسان ويمارس حياته بشكل طبيعي لأكثر من أسبوعين، من دون أن تظهر عليه أي أعراض.
وتتجلى بشاعة الفيروس دوماً بقدرته على مهاجمة الخلايا بهدف إنتاج نسخ مكررة من نفسه وتكوين خلايا جديدة تدمر الخلايا البشرية، إنه سلوك استيطاني يشابه السلوك البربري لاجتياح الدول ومسح الشعوب وثقافتها كما في الحروب الأيديولوجية.
تتمتع الصين بنظام أمني منغلق سمح لها بممارسة حالة الطوارئ في إطار التعتيم المطلق على بيانات شعبها بعيداً عن أي صدى إعلامي، لم ولن يتم كشف الأرقام الحقيقية لعدد الضحايا بالصين ولكن التاريخ يؤكد أنه لطالما كانت الأرقام التي تخرج من هناك بعيدة عن الشفافية ومضللة، ففي العام 1975 انهار سد بانكياو في مقاطعة هينان في شمال وسط الصين المقام على نهر (رو) بعد أن ضربه الإعصار (نينا) واندفعت المياه لتطمر بلدة (داون شانغ) وتبدأ بعد ذلك سلسلة انهيارات شملت أكثر من ستين سدا، عرفت بهجوم التنين النهري لم تعترف الصين خلال تلك الكارثة بأرقام الوفيات التي كُشف عنها بعد أكثر من ربع قرن من الحادثة، حيث قدر عدد الضحايا بربع مليون إنسان من بين أكثر من مليون حاصرتهم الكارثة في ذلك الوقت.
ما يزال تتبع ما يُعرف بالمريض صفر متعذراً وفقاً لنظام البيانات المغلق في الصين، ولكن ما رشح من معلومات يؤشر إلى أن أولى الحالات تعود إلى منتصف (نوفمبر) من العام 2019 وهي لمصاب يبلغ من العمر 55 عاما يعيش في مقاطعة هوبي، التي تنتمي إليها ووهان حيث سوق المأكولات البحرية الذي تفشى منه المرض.
إن الوصول إلى الحالة المرضية الأولى بذات الفيروس يمنحنا نصف الإجابة، ولكن يبدو أن هناك من قرر إخفاء المعلومات، ومؤخراً تم نقل الأمر إلى ساحة نظرية المؤامرة عبر التصريح المثير للجدل الذي أصدره المتحدث بالخارجية الصينية حيث اتهم الجيش الأميركي بالضلوع في خلق الحالة إكس.
نحن اليوم نعيش تجربة فريدة لمعركة يخوضها المجتمع الدولي ككل لمناورة ضد عدو مشترك يستهدف الإنسانية ككل، ويكمن مفتاح الحل بالتشارك بالمعلومات، يقول مارتن لوثر كنج: علينا أن نتعلم العيش معاً كإخوة، أو الفناء معاً كأغبياء.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock