المساواة تنمية: التشابه بين الطبقات في أسلوب الحياة

لا نحتاج لجسر كثير من الفجوات الاجتماعية بين الطبقات الاجتماعية إلى مساواتها في الدخل، فذلك أمر مستحيل، يكفي أن تساعد الدولة والمجتمعات والمنظمات الاجتماعية المواطنين على التقدم في العمل والحياة وتوفر لهم فرصا عادلة ومتساوية في التعليم والصحة والعمل، ولا بدّ أن يحدث بعد ذلك تفاوت في الدخل والفرص والأعمال، لكن يمكن تقليل إن لم يكن إلغاء الفجوة الاجتماعية بين الطبقات من خلال دعم وتشجيع أسلوب حياة يتشابه فيه المواطنون جميعا بمختلف طبقاتهم ومستوى دخولهم. وقد كانت الطبقة الوسطى على الدوام دليل الفقراء والأغنياء معا لبناء نموذج سائد في أسلوب الحياة يجمع بين المواطنين، وليس صعبا استعادة الدور الريادي للطبقة الوسطى، ولكن يمكن أيضا من خلال التشريعات والمؤسسات التعليمية صياغة وتكريس أسلوب حياة وثقافة مجتمعية تجمع بين المواطنين جميعا، وفي ذلك يمكن بناء تماسك اجتماعي للأمم والأفراد، وزيادة مستوى الثقة في العمل والحياة بين المواطنين بعضهم بعضا وبين المواطنين والمؤسسات، وتلافي الانقسام الاجتماعي والشعور بالإقصاء والتهميش أو الاستعلاء والتميز، ففي ظل الشعور الكاسح بعدم المساواة تنشأ حالات وظواهر خطيرة، مثل الخروج من المجتمعات والخروج عليها، وعجز النخب عن قيادة وإلهام المجتمعات والأفراد، وانحسار أو عجز القيادات الاجتماعية، لتصعد في المجتمعات والطبقات والمدن قيادات غاضبة واحتجاجية أو فوضوية، أو تتقدم قيادات جديدة من غير مؤهلات وإمكانيات للتأثير الإيجابي، ولا يمكن بطبيعة الحال الحديث عن تيارات سياسية واجتماعية تتجادل وتتنافس في المجال العام من غير تشابه في أسلوب الحياة، فهذا التشابه هو الذي ينشئ الأسئلة والأفكار والتطلعات.اضافة اعلان
لقد أنشأت الشبكية فرصا ومشاعر بالمساواة بين جميع الناس، وهذا أمر إيجابي، لكنه ساهم في زيادة مشاعر السخط وعدم الثقة، وفي مقدورنا بإعادة توجيه التعليم وخطط التنمية بناء القدرات والمهارات والالتزامات تجاه المجتمع والبيئة والقيم العامة على النحو الذي يجعل جميع المواطنين متشابهين بنسبة كبيرة، وفي المقابل فإن عدم المساواة أو الشعور بها يؤدي إلى حرمان فئة واسعة من المواطنين من ثمار التنمية، وتآكل كرامة الإنسان، والاعتراف والاحترام الاجتماعي.
تقع المؤسسات الحكومية والاجتماعية في خطأ قاتل حين تعتقد أن المساواة تتحقق بحلول توعوية ثقافية أو دينية، صحيح بالطبع أن الثقافة الاجتماعية تعزز القيم والاتجاهات السلبية أو الإيجابية، لكنها (الثقافة) لا تتشكل بالتوعية، وإنما هي محصلة منظومة واسعة ومعقدة من السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بل إن الحلول والبرامج التوعوية تتحول إلى العمل ضد الذات، وتزيد الشعور بالسخط والنفور وتكرس عدم المساواة، فالتوعية بحد ذاتها يمكن أن تكون نوعا من الأستذة والاستعلاء والوصاية.
ثقافة المساواة تتحقق على نحو عملي بالتفاعل مع سياسات وتشريعات للعدالة والمساواة والتشابه بين الناس، مثل تنظيم وتصميم البيوت والمدن والأحياء والشوارع والأرصفة على نحو يعطي شعورا بالمساواة والمسؤولية الاجتماعية، فلا يجوز أن يكون تصميم البيوت والمباني مفتوحا ومتفاوتا، لكن يحب أن تخضع لأنظمة وكودات واعتبارات موحدة ومتشابهة، وبالطبع فإن تطبيق القانون بعدالة ومساواة، وكذا خضوع الناس جميعا للقانون والقضاء والالتزامات الاجتماعية والقانونية والبيئية ومحاسبة المخالفين جميعا من غير تمييز؛ تنشئ حالة من التشابه والثقة بين الناس، .. ولا بأس بعد ذلك أن تكون المساواة جزءا من محتوى الآداب والثقافة والفنون كما المحاضرات والمواعظ والكتابة الصحفية والعامة.