المشكلة أبعد من "تيمس"

أخذت نتائج الطلبة الأردنيين "المتدنية" في امتحان "تيمس" (TIMSS) العالمي لمادتي الرياضيات والعلوم، من اهتمام المختصين والمعلقين، وعابري السبيل، خلال الأسبوعين الماضيين، ما لم تأخذه قضية وطنية أخرى.اضافة اعلان
لا نقلل من أهمية الامتحان ودلالاته، لكن ليس إلى الحد الذي نختزل فيه مشكلة التعليم في بلادنا، وكأننا من دون التفوق في هذا الامتحان سنواجه مصيرا أسود في القريب العاجل.
لقد كانت نتائج الأردن في سنوات ماضية (قبل العام 2009) أفضل بكثير مما هي عليه في السنوات اللاحقة. هل هذا يعني أن التعليم في الأردن كان بخير، وتردى بعد ذلك؟
التعليم في المدارس الحكومية لم يكن بخير قبل "تيمس" وبعده. ويمكن للوزارة في السنة المقبلة التحوط للامتحان، فتحصل على نتائج أفضل من دون تغيير جوهري في العملية التعليمية. هل سنرضى حينها عن مستوى التعليم، ونشيد بالوزارة والقائمين على العملية التعليمية؟
مشكلة التعليم في الأردن، في الأساس، هي مشكلة موارد. إن الفرق بين مستوى طلبة المدارس الحكومية والمدارس الخاصة من الفئتين الأولى والثانية، يتلخص في الموارد المتوفرة للعملية التعليمية؛ مدرسون مؤهلون برواتب منصفة، ووسائل تعليمية حديثة، وبيئة مدرسية ذكية، ومناهج متطورة تحاكي حاجات العصر، ونشاطات لامنهجية تنمّي قدرات الطلبة وتؤهلهم للمنافسة في المستقبل. على الجهة المقابلة، الوضع معلوم لديكم ولا داعي لشرحه.
في المدارس الخاصة، يتحدث الطفل اللغة الإنجليزية بطلاقة قبل أن يبلغ الصف الأول. بينما في المدارس الحكومية، ينهي الثانوية العامة، وهو بالكاد يكتب اسمه بالإنجليزي.
موازنة وزارة التربية والتعليم للعام المقبل بحدود 900 مليون دينار؛ منها تدفع رواتب جيش من المعلمين والإداريين، ويُنفق على صيانة المدارس وبناء أخرى جديدة، وغيرها الكثير من أبواب الإنفاق.
إذا أردنا تعليما حكوميا منافسا، وبمستوى ما يقدمه القطاع الخاص، فلا بد من مضاعفة ميزانية وزارة التربية ثلاثة أضعاف قيمتها الحالية، على الأقل. الدول التي نهضت بالتعليم ومنحته الأولوية، خصصت الميزانيات الكافية لتنفيذ خططها، وجنت الثمار بالفعل.
نحن نريد أن نحقق ما حققته ماليزيا وسنغافورة وفنلندا، من دون أن ندفع فلسا إضافيا، لا بل إننا في بعض السنوات نمد أيدينا لميزانية وزارة التربية ونقتطع منها لضبط النفقات.
الموارد وحدها بالطبع لا تكفي؛ فهناك حاجة لرؤية متكاملة لتطوير العملية التعليمية. وأعتقد أننا نملك مثل هذه الرؤية، ولا تنقصنا الأفكار والخبرات. وما نشهده من مقاومة للإصلاح في قطاع التعليم، ستخبو بمجرد توفر الموارد. لن يملك أحد القدرة على الوقوف في وجه المشروع الإصلاحي، إذا ما حظي القائمون عليه، من معلمين وطلبة، بالدعم المادي والمعنوي، ولمسوا الفرق في مستوى حياتهم ونوعية التعليم.
هناك عدد من المدارس المميزة التابعة لوزارة التربية والتعليم، وتلك التي تحظى برعاية ضمن مشاريع مؤسسة الملكة رانيا العبدالله لتطوير التعليم. إذا شئتم أن تفكروا بمستقبل أفضل للتعليم في الأردن، فهو على شاكلة هذه المدارس التي تخرّج طلبة مميزين، وتقدّم تعليما بنوعية مختلفة جذريا عن مستوى المدارس الحكومية الأخرى.
الموارد أولا، وبعدها يصبح كل شيء ممكنا؛ بامتحان "تيمس" أو من دونه.