المصارف الإسلامية وفيروس كورونا

غسان الطالب*

تعتبر أزمة فيروس كورونا من اسوأ الازمات التي شهدها عصرنا الحديث فمنذ الإعلان عن اكتشافه في نهاية العام 2019 في مدينة ووهان الصينية حبث تأثرت المؤسسات المالية وقطاع المصارف في انحاء العالم كبقية القطاعات الاقتصادية العالمية ، كذلك تأثرت المعاملات والتبادلات التجارية بين دول العالم والتي يتم تسويتها عن طريق المؤسسات المصرفية والبنكية وكانت النتيجة تعطل العديد من الانشطة التجارية حول العالم مما ادى الى حالة تباطؤ شديد في كافة الانشطة الاقتصادية قادت إلى انكماش اقتصادي غير متوقع في كافة القطاعات انعكس كما ذكرنا على القطاع المصرفي حول العالم سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ففي خضم هذه الازمة واجهت المصارف الإسلامية تحديا جديا يتمثل في كيفية مواجهة هذه الازمة والخروج منها بالشكل الذي يضمن استمرارية نموها والتواصل مع عملائها لتلبية حاجاتهم للسيولة النقدية في ظل توقف تدفق الودائع بسبب توقف النشاطات الاقتصادية في معظم بلدان تواجدها، هذا من جانب ومن جانب آخر عدم قدرة العديد من العملاء سواء أفراد أو قطاعات إنتاجية على الوفاء بالتزاماتهم تجاة البنك، والتحدي الآخر هو التحول الى التعامل الرقمي سواء في الخدمات المقدمة من المصرف أو في نظام المدفوعات لديها، في الوقت الذي لا يوجد فيه تعامل مباشر مع الأفراد خلال هذه الازمة، ويرافق ذلك التحدي التحذير من التعامل بالأوراق النقدية بشكل مباشر على اعتبار انها ناقل خطير للفيروس وحسب توصيات وتعليمات منظمة الصحة العالمية بتجنب التعامل المباشر بالأوراق النقدية واستخدام وسائل الدفع الإلكتروني اوعلى التقنيات الرقمية ما أمكن، مع العلم أن جميع المصارف الإسلامية خاصة في الوطن العربي لم تتعرض لأي تهديد يتعلق بسلامة وضعها المالي أو التوقف عن الوفاء بالتزاماتها خلال هذه الازمة مما يطمئننا على سلامة اوضاعها المالية حيث شاهدنا العديد من الإجراءات التي اتبعتها هذه المصارف مثل تأجيل الاقساط والمستحقات المالية على الافراد أو المؤسسات وبالانسجام مع تعليمات البنوك المركزية .
ان تداعيات هذه الازمة وما رافقها من تطورات اقتصادية واجتماعية وسياسية فرضت على المصارف الاسلامية واقعا مختلفا تماما عما هو قبل أزمة جائحة كورونا تتطلب منها وضع اطار استراتيجي يتضمن برامج تهدف الى الابتكار في منظومة تساهم في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وفي تطوير مفهوم المسؤولية الاجتماعية للمساهمة في تحقيق الأمن الاجتماعي للمجتمع، للمحافظة على مكتسباتها من السوق المصرفي وبكفاءة عالية يتضمن هذا الاطار الاستراتيجي اعطاء أهمية استثنائية لتمويل قطاعات الصحة، والتعليم، والطاقة، والبيئة، والمشروعات الصغيرة، والمتوسطة، والتي تعتبر القطاعات المحورية في مواجهة الازمة التي تسببت بها جائحة
كورونا.
وعلى الرغم من شراسة هذه الازمة وقسوتها فاننا نعتقد بأنها فرصة للمصارف الإسلامية لصياغة نموذج في ادارة الازمة لتكيفها مع هذا الواقع المفروض عليها كما هي بقية القطاعات الاقتصادية محليا وعالميا وان تجعل من هذه التحديات فرصة لتطور خدماتها ومنتجاتها المالية وان تستعد لأي تغيرات قد يشهدها العالم خاصة على القطاع المالي والمصرفي بعد ازمة هذه الجائحة والمساهمة في اعداد الخطط التمويلية التي يتطلبها الاقتصاد الوطني

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي