المصطلح الملعون

تنبه مصلحو القرن التاسع عشر العرب بما لحق مصطلح الليبرالية من معان سلبية؛ فالليبرالية عند كثيرين هي قرينة الإنفلات وعداء الدين وهي مشروع غربي استعماري، ولهذا حاول أحد رواد الليبرالية العرب " لطفي السيد" أن يشتق لليبرالية مصطلحاً عربياً فأطلق على الليبراليين اسم الحُريَون بضم الحاء وتشديد الياء، وهو اسم مشتق من الحرية باعتبار الحرية بجميع أشكالها وصورها هي صلب المبدأ الليبرالي، وقد يكون أفصل تعريف لليبرالية هو أن نقول ما ليس من الليبرالية؛ فالليبرالية ليست أيديولوجيا فلسفية بمعنى أنَ ليس لها ماركس أو لينين كما في الماركسية، وهي ليست مذهبا أو طقوسا محددة فحيث هي تقوم على حرية الفرد وفردانيته وتنوعه فإنها منعتقة من أي إطار محدد، والحرية عند جون لوك حق طبيعيٌ للبشر، لأن الإنسان يولد حراً ولهذا تساءل عمر بن الخطاب قبل جون لوك في عبارته الشهيرة مستنكراً "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".اضافة اعلان
كما أن الليبرالية ليست دعوة للإنفلات من الأخلاق، والأخلاق كمنظومة ذاتية لا تكون إلا للإنسان الحُر، فالأخلاق التي يكره عليها الفرد تكون زَيفاً يشكل باطناً للمجتمع والفرد بخلاف ظاهره، ولهذا فإن الليبرالية هي انعتاق للفرد وطاقاته الإنسانية وليست دعوة لإنفلات غرائزه الحيوانية كما يشاع .
الليبرالية ليست ضد الدين ولا تعادي مظاهر التدين، وذلك باعتبار أن التدين هو خيار شخصي يقوم على حرية الاعتقاد، فلا اكراه في الدين، والردة المُحاربة هي تلك التي تقوم على حركة جماعية ضد المجتمع برمته والانقلاب عليه مثل الحروب الصليبية التي هدفت إلى قلب المجتمع عنوة، أما الخيارات الشخصية فهي حق طبيعي للإنسان.
وأيضاً الليبرالية باعتبارها ليست معادية للدين فإنها بهذا الفهم علمانية، حيث أنها تدعو إلى منع استغلال الدين لتمرير اي شكل من أشكال التسلط على الناس، ومنع مشاركتهم في الحكم أو قبول الحكم الدكتاتوري، ومصادرة حقوق الإنسان باسم الدين أو التدين، فحرية العقيدة وممارسة شعائر أي عقيدة هي حق انساني، علما أن الدستور الاردني أيضاً نص على حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.
الليبرالية مع التسامح وضد الظلم، والتسامح هو قبول الآخر سياسياً واخلاقياً واجتماعياً ودينياً، وهذا القبول لا يعني بالضرورة الإتفاق مع الآخر ولكن يعني تقبله وتقبل اختلافه في المجتمع باعتبار التنوع ظاهرة إنسانية واجتماعية حضارية، والليبرالية المتسامحة لا تقبل الظلم ولهذا فهي ضد المشروع الصهيوني والنازي وضد أي مشروع تمييز بين البشر يقوم على الجنس أو العرق أو الدين أو اللغة أو غير ذلك من اعتبارات عنصرية.
 الليبرالية هي دعوة لتكافؤ الفرص بين المواطنين في الصحة والتعليم والمواصلات العامة وتولي الوظائف العامة، وهي تقوم في الممارسة على سيادة القانون والمواطنة التي هي ميثاق دستوري يضمن مشاركة الشعب في صنع القرار والمشاركة بالحكم عبر مؤسسات الدولة الدستورية وأهمها البرلمان.
يسعى الأردن اليوم نحو التحول إلى تفعيل دولة المواطنة وسيادة القانون والوصول إلى شكل للمشاركة الشعبية عبر أحزاب برامجية وطنية، وقد عبر جلالة الملك عن ذلك أول من أمس بعبارات لا لبس فيها، وأشار رئيس الوزراء أنه يسعى لتهيئة الظروف اللازمة للحكومة البرلمانية خلال السنتين القادمتين، وفي مقابل هذا السعي يلمس المواطن والنخب السياسية والثقافية فرقاً بين الواقع ومثل هذا الطموح.
غاية القول إن اساس أي تحول في المجتمعات الحديثة يستلزم أن يشعر أغلب المواطنين وعلى اختلاف رؤاهم السياسية والاجتماعية أن مشروع التحول هو مشروع جامع يشمل الجميع، وأنهم جميعاً مستفيدون من هذا التحول، فإن شيوع أي إحساس بأن أيا من المواطنين هو ضحية لهذا التحول سيشكل حالة مقاومة عارمة له، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن القرار السياسي والقانوني يجب أن تواكبه مصداقية على أرض الواقع وعملٌ على مستوى تغيير المفاهيم السلبية وهذا مجاله التعليم والفضاءات الثقافية بشكل عام. 
سيادة القانون وتكريس المواطنة الفاعلة ومحاربة الفساد لا تنفصل عن ضرورة ضمان حرية الفرد وتفرده وتنوعه في بيئة من تكافؤ الفرص الاجتماعية والاقتصادية، والعمل على تمكينه اقتصادياً،  فإن أساس الحرية هي حرية أن لا تحتاج. فاهم عليّ جنابك؟!