المضي قدما

هناك حالة من الترقب تسود الأوساط السياسية والمهتمة حول عملية الإصلاح التي أصبحت وشيكة والكل ينتظر معالم وآلية هذه العملية. الرؤية واضحة لدى جلالة الملك والتي يبدو أن العمل جار على بلورتها ووضع الآلية المناسبة لبدء مرحلة جديدة. بداية الرؤية تتسم بالشمولية والتكاملية لأن القناعة أصبحت واضحة بترابط ابعاد الإصلاح مع بعضها بعضا. الإصلاح السياسي وحده ليس كافيًا حيث لا بد أن يتزامن معه إصلاح اقتصادي يفضي إلى إعادة الروح للاقتصاد الأردني ومعالجة أهم مشكلتين تواجهان المجتمع اليوم وهما الفقر والبطالة. كذلك فإنه لا بد من أن يتزامن ذلك ايضا مع الإصلاح الإداري الذي يعتبر الركيزة التي تستند إليها عملية الإصلاح برمتها. فالكفاءة والفاعلية في الإدارة والشفافية والمساءلة تعتبر ضرورية في نجاح الإصلاح في الجوانب الأخرى. المسألة الأخرى المهمة في رؤية الملك هي أنه لا بد من الاتفاق على أهداف محددة يسعى الإصلاح لتحقيقها قبل إجراء تعديلات على القوانين المعنية بمعنى أن تخدم القوانين الأهداف المنشودة للإصلاح وألا تتم بطريقة معزولة عما تسعى لتحقيقه. القضية الأخرى المهمة هي أن الأوراق النقاشية السبعة التي قدمها جلالة الملك قبل فترة والتي حظيت بقسط وافر من النقاش ولاقت استحسانًا لدى الجميع سوف تشكل الإطار الفكري والسياسي لعملية الإصلاح المنشودة والتي تتضمن طروحات إصلاحية متقدمة فشلت الحكومات المتعاقبة في ترجمتها على أرض الواقع. في جوهر الإصلاح السياسي تحتل مسألة الأحزاب ودورها في الحياة السياسية حيزًا مهمًا من هذه الرؤية الإصلاحية لأنها تفسح المجال للمشاركة السياسية وتدعم بناء الدولة الأردنية وفي الوقت نفسه تصبح وسيطًا مهمًا بين الدولة والمجتمع وتساعد في تشكل الحكومات البرلمانية مستقبلًا. قانون الانتخاب هو ايضا ركيزة من ركائز الاصلاح السياسي ليس فقط في قدرته على توسيع التمثيل وخاصة الحزبي ولكن ايضا في التخلص من الشوائب المجتمعية التي ترافق العملية الانتخابية وخاصة استخدام المال الاسود. أما بالنسبة للإصلاح الاقتصادي فإن الهدف المنشود والمباشر هو تحسين الظروف المعيشية للمواطنين والتي شهدت تراجعًا كبيرًا في السنوات الاخيرة، انعكس على ظاهرتي الفقر والبطالة واللتين ستكونان هدفًا لعملية الإصلاح الاقتصادي. صحيح أن أزمة كورونا ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي إلا أنها فاقمت من المشاكل الاقتصادية الموجودة أصلًا وبالتالي، فلا بد من تدخلات اقتصادية تكون نتائجها ملموسة بوقت قصير ولكنها لن تكون بديلة عن إحداث نقلة اقتصادية تساهم في إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية على المدى البعيد. في جوهر الإصلاح الاقتصادي، التركيز على الطاقات والمصادر الوطنية ومحاولة استغلالها بشكل ضمن فلسفة تكريس الاعتماد على الذات وهذا يتطلب التركيز على الميزة التنافسية النسبية للاقتصاد الأردني والعمل على تقويتها. الاستثمار الخارجي مهم ولكن الذي يجذب الاستثمار هو وجود اقتصاد ديناميكي ومنافس إقليميًا وعالميًا. إن هذا الوضع قد يتطلب عودة للتخطيط المرن الذي يعمل على تحفيز الاقتصاد والاستثمار معًا. الأفكار للعملية الإصلاحية كثيرة سواء كانت للسياسة أو الاقتصاد وهي عملية شاقة وقد تكون طويلة ولكن المهم الاتفاق على الأهداف والأولويات للإصلاح المنشود. إن إطلاق عملية الإصلاح كفيلة بخلق ديناميكية جديدة في المجتمع على كافة الأصعدة والتخلص من حالة الركود والإحباط التي فاقمتها جائحة كورونا. نحن أمام ظروف موضوعية وذاتية ملائمة لإطلاق عملية إصلاحية شاملة تحدث نقلة نوعية في كافة المجالات وتحدث انطلاقة جديدة للدولة خاصة مع دخولنا المئوية الثانية من عمر الدولة.اضافة اعلان