المطلوب بعد فاجعة نيبال

صدمة واسعة تلقاها الرأي العام الأردني بعد العثور على جثة الطفلة نيبال، والتي تبين أنها تعرضت لجريمة بشعة على أيدي مراهق مجرم كان يكمن كالذئب لهذه الطفلة البريئة، فيفجع أهلها والجميع بمستوى الدرك الإجرامي الذي يمكن أن يصل له بعض بشر، عندما يتجردون من أبسط شروط الإنسانية والضمير. اضافة اعلان
هو وقت الحزن والتعاطف مع ذوي هذه الروح البريئة التي أزهقت بصورة بشعة أبكت الجميع، وصدمت وعينا، كما الكثير من جرائم وأحداث بهذا العالم البائس. مع ذلك؛ فلا ضير من استلهام بعض العبر والخلاصات من هذه الحادثة والتعاطي معها، ليس لأنه سيعيد نيبال للحياة التي لم تشبع منها هذه الصغيرة، بل لتجنب الفجيعة بأطفال آخرين قدر الإمكان وتطوير آليات التعامل ومعالجة قضايا اختفاء أو ضياع الأطفال.
ثمة ملاحظة رئيسية في هذا السياق، سبق أن تم طرحها في غير مناسبة، وهي قضية الآلية القانونية للتعامل مع حالات الاختفاء لدى الشرطة والأجهزة الامنية، فالمعروف أن تسجيل أية قضية اختفاء لأي شخص في المركز الأمني لا يتم إلا بعد مرور 24 ساعة على الاختفاء، وربما كان ذلك نظاما معتمدا في أغلب دول العالم، حيث أن الاختفاء المفترض قد يكون قرارا طوعيا من صاحبه أو انشغالا منه بأمر ما.
لكن ما يمكن أن ينطبق على اختفاء الكبار والبالغين قد لا يستقيم مع الأطفال الصغار، ممن ينقصهم الوعي والخبرة والقدرة على مجابهة البعد عن الأهل والمنزل، لذلك فإن تطبيق آلية مرور 24 ساعة على الاختفاء للطفل لا يمكن أن يكون منطقيا أو مقبولا، ففي هذه الفترة الطويلة نسبيا بالنسبة لطفل يمكن أن يتعرض فيها لأسوأ الاحتمالات والأخطار التي قد تكون قاتلة له.
في بعض الحالات، التي اطلعت عليها شخصيا، كان مدير المركز الامني يعتذر بشدة عن تسجيل حالة الاختفاء للطفل قبل مرور 24 ساعة للتعميم بالحادثة والبدء بإجراءات بحث رسمية، لكنه ووسط تفهمه لقلق الاهل، بل ورعبهم، مما يمكن أن يحدث لطفلهم، يبادر الى تسجيل رقم هاتف الأهل للاتصال بهم في حال تم الابلاغ عن العثور على الطفل من قبل مواطنين أو أية جهة. ورغم إيجابية مثل هذا التصرف الفردي، إلا أنه لا يغني عن تغيير آلية التعاطي الرسمي مع اختفاء وضياع الأطفال، باعتبارها قضية خطيرة قد ينتج عنها ما هو أخطر من الضياع والهيام بالشوارع!
هذا جانب؛ أما الآخر في هذا السياق، فهو ضرورة التركيز على الوعي لدى الأهالي والأسر تجاه سلامة أبنائهم وأطفالهم، وضرورة الانتباه للأخطار التي تحفل بها الحياة خارج جدران المنزل. نعم؛ العالم مليء بالخيرين والخير وهو ما ظهر بوضوح في التفاعل المجتمعي مع حادثة اختفاء نيبال وفاجعة موتها، ومع غيرها من القضايا الشبيهة، لكن الصحيح أيضا أن هذا العالم يضم في صفوفه ذئابا بشرية وقتلة ومجرمين ومنحرفين، قد يظهرون في الظروف العادية طبيعيين.
والأطفال هم الأكثر تعرضا للخطر من مثل هذه الذئاب والمنحرفين، ليس في المجتمع الأردني فقط بل في كل المجتمعات، وتضاف لهم النساء وبعض الشرائح الاجتماعية المهمشة، ما يستدعي تعزيز برامج التوعية والتثقيف للأسر بمثل هذه الأخطار وضرورة الوقاية منها بمزيد من الرقابة على الأطفال والحرص على توعيتهم بكيفية التعامل مع الغرباء وعدم السماح بتحركهم بعيدا عن أعين ذويهم.