المعركة لم تحسم

معاريف

أوري سفير

في مسلسل "غرفة الاخبار" من انتاج أهارون سوركين، بطل المسلسل، فإن مذيع الاخبار ويل ماكفوي، يقول ان الخطر الاكبر على الديمقراطية هو غسل دماغ المواطنين من قبل السياسيين ووسائل الإعلام التي تبعدهم عن واقع الحياة. فالجمهور الواعي، برأيه، هو الشرط للديمقراطية. ويركز المسلسل المميز على حركة حفلة الشاي الأميركية، التي دونالد ترامب هو أحد أنسالها، والتي تتنكر للمساواة بين بني البشر والمساواة بين الجنسين وتنكل لطائفة المثليين، الاقليات والسود. ويرى ماكفوي كرسالته في الحياة، وهدفه الاعلامي هو ان يعلم المواطنين ليس بالأيديولوجيا، بل بالواقع وبالحقائق، ومكافحة الجهل والآراء المسبقة.اضافة اعلان
إلى هذه الصورة يدخل ترامب. فهو يريد الامر المعاكس: ان يخدم الاعلام معاييره الشوهاء ومعتقده العنصري في أن الانسان غير الابيض هو دون، وانه لا توجد مشكلة مناخ، وان بوتين هو اخ. كل شيء آخر يسمى "انباء ملفقة" (فيك نيوز) من الاعلام اليساري.
هل يبدو لكم هذا معروفا؟ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هو الآخر يتصرف كمن يتطلع إلى الاعلام الزائف. وحسب فكره، فإن المواطنين المعنيين بحقائق الحياة (مثل تحقيقات الشرطة) هم خطر على حكمه، وهم ضحايا "الاعلام اليساري" الذي يعنى بصيد الساحرات ضده. كل حقيقة هي انباء ملفقة.
الإعلام هو بالفعل كلب الحراسة للديمقراطية. فكلما كان النظام أقل ديمقراطية، فإن اكاذيب الحكومة تكون أكبر، وكل شيء في الدولة يحصل بذنب قوى المعارضة. الاحتلال ليس احتلالا، بل تحريرا لبلاد ابائنا واجدادنا؛ محافل انفاذ القانون تدار غير مرة من جماعات سياسية ذات مصالح؛ المحكمة العليا هي يسارية على نحو ظاهر. كل العرب مخربون؛ العالم كله ضدنا؛ الاعلام يساري والمعارضة خائنة. هذه فقط جزء من الشعارات التي تبيعها الحكومة للجمهور.
في مواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، سواء في أميركا ترامب أم في إسرائيل نتنياهو، هناك واجب لمعارضة شجاعة، مجتمع مدني نشط يخرج للتظاهر وإعلام نزيه. دوره هو ان يعكس الواقع بشكل موضوعي، حتى لو لم يكن حياديا دوما.
مسموح للصحفي أن يعرب عن مواقفه، ولكن الا يشوه الواقع. المصداقية والاخلاقية تقبعان في اساس مهنة الاعلام. هذا صحيح بالنسبة لمعظم الإعلام الإسرائيلي، ناهيك عن الصحافيين الاكثر شجاعة، مثل ايلانا ديان، رفيف دروكر، امنون أبراموفتش، بن كسبيت وغيرهم. ليس لديهم روع من الحكم، وهم يستندون إلى مصادر مصداقة. اما صناعة الانباء الملفقة فتديرها الادارة، هنا وفي دول اخرى. هدف الحكومة بحكم طبيعتها هو ان تسوق نفسها للجمهور ولهذا فإنها تلون الواقع بألوان الدعاية. هذه المعركة في إسرائيل هي اليوم في ذروتها، ولنتنياهو لا شك أنه ما يزال يتصدرها. ولكن الأوان لم يفت بعد.