المعلمون يذكرون الدولة والمجتمع بمرحلة جديدة

انتهى عصر السلطة المركزية التي تديرها نخبة مغلقة، لم يعد ممكنا الاستمرار في إدارة الموارد والفرص والخيارات العامة للناس بعيدا عن المساواة والثقة، سوف نوفر وقتا وموارد وجهودا كبيرة وعزيزة إذا التفتنا إلى الفرص والآفاق الجديدة في تنظيم المجتمعات والدول، فالعالم يتجه اليوم إلى مدن ومجتمعات مستقلة تتولى مواردها وشؤونها واحتياجاتها، وإعادة توزيع حاسمة وواضحة للموارد والإنفاق العام، والاستغناء عن كل ما يمكن توفيره وإتاحته ببدائل أقل كلفة وأفضل كفاءة.اضافة اعلان
في هذه الشبكية التي تترسخ تنشأ مساواة مطلقة بين الأطراف والمراكز وبين الطبقات وبين الأفراد، وتقف المجتمعات بطبقاتها ومصالحها في مواجهة ندية مع السلطة السياسية، وأصبحت عجرفة السلطة ومظنة احتكارها للمعرفة وحقها في تنظيمها وتداولها مرحلة سابقة وراء ظهور الناس، ولم تعد جميع أدوات السلطة الناعمة في التأثير والتوجيه كالإعلام والمؤسسات التعليمية والإرشادية مميزة بشيء يذكر بل لم يعد لها لازمة ليست سوى نزف مالي وعمل ساذج يثير السخرية والنفور. فالعالم اليوم شبكة يقف فيها على قدم المساواة جميع المشاركين فيها بمجرد قدرتهم على الوصول إليها، فالشبكة لا توزع الامتيازات والمعرفة والتأثير والفرص في هرمية أو طبقية لكن جميع من تضيء موبايلاتهم بإشارة "الوصول إلى الشبكة" يملكون الفرصة نفسها في المعرفة والتواصل والتبادل والتأثير. فكل مواطن يستطيع المعرفة وبثّ المعرفة وتبادلها بالنص والصوت والصورة وبأي لغة، ويوصلها إلى أي مكان وفي أي لغة. ولم تعد هذه المؤسسات الإعلامية الكبرى سوى ركام من الخردة والمتبقيات المتجهة بسرعة إلى العفن والتحلل. إنها مثل ميت ينتظر إعلان الوفاة، لكنه إعلان تأخر كثيرا حتى صارت الجثة مصدرا للروائح والسخرية.
وبالطبع، فإن الشبكة لم تغير الطبقات والسياسات نفسها، لكنها تغير في علاقاتها وإدارة هذه العلاقات وتنظيمها، فما يجب أن تدركه السلطات والنخب المتحالفة والمهيمنة في مرحلة الشبكية أنها لم تعد قادرة على احتكار المعلومات، لقد خسرت النخبة هذا المورد، وصار شعبياً ومشاعاً، ويجب أن تدير علاقاتها على أساس هذه الحقيقة الجديدة، والمجتمعات والشعوب يجب أن تدرك حدود هذا المورد الجديد وفرصه وتحدياته، هو مورد يمنحها بالتأكيد قوة جديدة، لكن ذلك لا يحدث تلقائياً. وما يمكن قوله من ملاحظة مواقع الشبكة والتواصل الاجتماعي، أنه مورد يكاد يكون مهدوراً، ولم ينشئ بعد شبكة فاعلة في التجمّع والتأثير، ثمة سلوك جارف تعبيراً عن الشعور بالظلم، لكن إدراك العدل صوت خافت!
يقول وليم جيمس إن أعظم اكتشاف لهذا الجيل، والذي لا يقلّ في أهميته عن الثورة العلمية، أن في مقدور الناس تغيير حياتهم من خلال تغيير مواقفهم الذهنية. ثمة وعي جديد بالذات، وهناك وعي آفل لم يعد موجوداً.
يستخدم توماس هوبز أحد رواد علم السياسة والدولة أسطورة لفياثان للترميز إلى معنى السلطة وعلاقتها بالمواطنين، فالوحش لفياثان كان يحرس المدينة، لكنه وحش يتغذى على أدمغة الأطفال، وكان على أهل المدينة أن يقدموا له كل يوم دماغ أحد الأطفال، وفي اليوم المخصص لأحد الآباء ليقدم طفله قدم بدلا من ذلك دماغ خروف، ولم يلاحظ لفياثان الفرق، وبدأت المدينة تقدم الخراف لحارس المدينة بدلا من الأطفال.. اليوم يكتشف الناس أن لفياثان لم يعد يحرس المدينة! ويمكنهم أن يحرسوها ويديروها بأنفسهم، لم يعد لفياثان سوى مواطن مثل المواطنين الآخرين.