المقاطعة، الحرد واللامبالاة!

 بالرغم من أنّ أغلب القوى والأحزاب السياسية شاركت في الانتخابات النيابية، فإنّ نسبة المشاركة بقيت محدودة في المدن الرئيسة، وتحديداً في مدينة عمّان، وبدرجة أكبر في عمّان الغربية، التي تضم نسبة كبيرة من الطبقة الوسطى الصاعدة.اضافة اعلان
 نسبة من شاركوا في الانتخابات الأخيرة قرابة 37 %، ممن يحق لهم التصويت، لو قلنا إنّ هنالك مليون مغترب، فإنّ تقديرات معينة تتحدث عن أنّ نسبة من صوّتوا ممن يتمكنون من التصويت، ولم يفعلوا تكاد تصل الـ50 %.
ذلك يعني أنّ نصف من يحق لهم التصويت لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع اختيارياً، نسبة من هؤلاء عدم ذهابهم يرتبط بحالة اللا مبالاة وعدم إدراك أهمية المشاركة السياسية، وغياب الرغبة بأي علاقة من قريب أو من بعيد بالشأن السياسي، وذلك ليس جديداً على الثقافة العربية المسكونة بهواجس القلق والخوف من كلمة "سياسة نفسها".
ونسبة من هؤلاء غير المصوتين انطلقت من اعتبارات دينية ترى في الديمقراطية نظاماً كفرياً، وتحرم المشاركة في الانتخابات والعملية التشريعية برمّتها، وجزء من هذه النسبة لا يصل إلى هذه المرحلة لكنّه لا يصوت لأنّه لا يريد دولة ديمقراطية بل دولة إسلامية، وهي حجج وأفكار ليست جديدة، لكن موضع نقاشها ليس في هذا المقال، فهي مرتبطة بمرجعية فقهية ودينية وفكرية.
ما أود الإشارة إليه، هنا، ذلك التيار المتنامي، الذي لا يمتّ بصورة مباشرة إلى المعارضة السياسية المنظّمة، ولا ينتمي إلى الأحزاب السياسية، ولديه اكتراث شديد في الأوضاع السياسية والاقتصادية، وفي أغلبه جزء من الطبقة الوسطى، التي نتحدث عنها، وهو تيار غير منظّم، ولا مترابط، لكنّ هنالك أمراً واحداً أجمع عليه بوضوح المقاطعة، كخيار وقرار سياسي احتجاجاً على عدم جدوى المشاركة في العملية السياسية والانتخابات، وعدم الوثوق بمصداقيتها ونزاهتها، وللشعور بأنّ مجلس النواب أيّاً كانت تركيبته عاجز عن إحداث فرق حقيقي في موازين القوى وفي التشريعات والقرارات السياسية.
 بالضرورة مثل هذا الموقف المبني على "وعي سياسي" لا بد من أن يُحترم ويقدّر، فهو لم ينطلق من حرد أو لا مبالاة، بل من رؤية عميقة وحجج قوية، ومن باب الحوار مع أصحاب هذا التيار، الذين يتزايدون بقوة، فإنّني أضع نقطتين رئيستين أمامهم؛
النقطة الأولى؛ أنّ المقاطعة تكون مهمة واستراتيجية وفاعلة فقط إن كانت تقوم على برنامج بديل، أو خطة عملية يتبعها عمليات ضغط منظمة سلمية على مراكز القرار لإحداث تغييرات جديّة لدعم فكرة إجراء انتخابات على أسس جديدة تحدث فرقاً في الحياة السياسية.
 أمّا إذا كانت المقاطعة قرارا ونقطة، ثم لا يوجد ما يتبعها، وهو ما حدث مع جماعة الإخوان المسلمين خلال الفترات السابقة، فإنّ النتيجة ستكون "سلبية" أي تجميد وتحييد هذه الكتلة الاجتماعية المهمة، وعجزها عن الدفاع عن مصالحها وأفكارها، وهذا للأسف الواقع الحالي.
 النقطة الثانية، وترتبط باحتجاج بعض القراء على مقال سابق لي (بعنوان لم تعد دائرة الحيتان؛ عن الدائرة الثالثة)، قلت فيه إن البرلمان الطريق الرئيسية للإصلاح والتغيير، فرأوا بخلاف ذلك، أوضّح مقصودي بالقول إنّ البرلمان هو أبرز المربعات التي يمكن استثمارها في الضغط والتغيير، ولو جزئياً، ويمكن التأثير كثيراً في موضوع السياسات الضريبية والاجتماعية وقضايا الشباب والمخدرات، وحريات التعبير والرأي والحريات العامة، وفي إيصال صوت الإصلاح الوطني ومنحه سلطة وقوة وقدرة على مدافعة خصوم الإصلاح.
قد لا يكون البرلمان هو الوسيلة الوحيدة للإصلاح، لكنه إحدى الوسائل المهمة، يمكن أن تتضافر مع وسائل أخرى، طالما أنّنا نتحدث عن تغييرات إصلاحية مدنية سلمية.