المكدوس.. أكلة شعبية تعود لتزين المائدة السورية

لم يفارق صحن المكدوس مائدة العائلات السورية- (ارشيفية)
لم يفارق صحن المكدوس مائدة العائلات السورية- (ارشيفية)

دمشق- تجتمع عائلة نزار حول مائدة وُضع عليها الجوز والزيت والباذنجان وبعض البهارات الأخرى، وهو يحضر مع زوجته دانية مؤونة الشتاء من طعام المكدوس الشعبي، بينما يكتفي والداه بالمشاهدة والتذوق.اضافة اعلان
وأحضر نزار زنبوعة هذه السنة الجوز البلدي من الغوطة الشرقية للمرة الأولى منذ بدء النزاع، لكنه لم يحصل على الزيت "السلقيني" الذي كان يأتي من ريف إدلب، وأبدله بنوع آخر من الساحل السوري.
ويقول نزار (43 عاما) "أثرت الحرب على كل تفاصيل الحياة، ووصلت آثارها إلى موائد الطعام (..) قبل بدء الأزمة كنا نحشو المكدوس بالجوز البلدي والزيت الطبيعي، ونحضر أكثر من خمسين كيلوغراما".
"أما خلال سنوات الحرب، فقد أبدلنا الجوز بالفستق لأنه أقل كلفة، وأحيانا اكتفينا بحشوه بالفليفلة الأرخص ثمنا"، كما يقول.
لم يفارق صحن المكدوس مائدة هذه العائلة حتى في سنوات نزوحها عن منزلها، بل بقي طبقا رئيسيا على مائدة الفطور أو العشاء.
ويتابع نزار الذي يعمل سائقا في إحدى المنظمات الدولية، ويعاون زوجته في إعداد مؤونة الشتاء "المكدوس يعيد شمل العائلة ويجمعنا حول مائدة واحدة، سواء أثناء إعداده وتحضيره أو خلال تناوله".
ويعد هذا الصنف من الطعام أحد أكثر أنواع المؤونة السورية انتشارا، ويبدأ تحضيره عادة في شهر أيلول (سبتمبر) من كل عام، تزامنا مع زراعة الباذنجان.
وجرت العادة على أن تحضر العائلة السورية كمية تكفي لعام كامل من هذا الطعام المكون من الباذنجان المحشو بالجوز والفليفلة والثوم والبهارات، والذي يوضع داخل وعاء زجاجي مليء بالزيت، ويقدم عادة إلى جانب أصناف الفطور الصباحي مثل الألبان والأجبان والزعتر مع كأس من الشاي.
ولم يسلم هذا الطبق من آثار الحرب، بعد أن فقد نكهته جراء فقدان مكوناته الرئيسة؛ إذ اعتاد سكان دمشق على جلب الجوز من بلدات الغوطة الشرقية، وهو ما لم يكن ممكنا طيلة سنوات الحرب، فيما تشتهر بلدة سلقين في ريف إدلب ومدينة عفرين في ريف حلب، بالزيت الذي يفضله السوريون مع هذه الأكلة الشعبية، وهما الآن منطقتان خاضعتان لسيطرة فصائل معارضة.
في بلدة زبدين في الغوطة الشرقية، يأسف المزارع أنس المصري حين ينظر إلى بستانه وقد ذبل الشجر فيه، ومات الكثير منه، إلا أن حزنه يتضاعف حين يعاين شجر الجوز الذي حرق الكثير منه، وتقطع الباقي بهدف البيع أو التدفئة أو التجارة في السنوات الماضية.
ويقول، وهو واقف إلى جانب واحدة من أشجار الجوز المقطوعة "عمر هذه الشجرة 300 سنة، هذه الأرض تشتهر بزراعة أشجار الجوز، لكنه لم يعد موجودا اليوم إلا بعدد قليل جدا".
في مطبخ عائلة زنبوعة، تضع دانية قفازات وتشرع في إعداد الطعام، وتقول "عاد المكدوس إلى مائدتنا، لكنه ما يزال يفتقر إلى جوز الغوطة وزيت إدلب... وهو من الأشياء القليلة التي يجمع عليها السوريون في الداخل والخارج، موالين ومعارضين".-(أ ف ب)