الملك في واشنطن

يلتقي جلالة الملك مع الرئيس الأميركي في التاسع عشر من تموز الحالي، في زيارة عمل لبحث العديد من الملفات الثنائية والإقليمية. القمة سيسبقها ويتبعها لقاءات مع أركان في القيادة الأميركية والكونغرس، ولقاءات مع منظمات وقادة رأي واقتصاديين في واشنطن وقبلها في صن فالي. أهمية الزيارة تأتي لأنها بعد سنوات عجاف أثناء إدارة الرئيس السابق ترامب، الذي كانت سياساته في الشرق الأوسط تتعارض استراتيجيا مع مصالح الأردن، خاصة في ملف القضية الفلسطينية، حيث إن قرارات أميركية من نقل للسفارة ووقف تمويل الأونروا وطرح صفقة القرن المشؤومة كلها مست مباشرة الأمن الوطني الأردني. الزيارة مهمة أيضا بعد سنوات كورونا التي ألقت بظلالها على التواصل مع واشنطن والعالم وأبطأته، والآن لقاءات جلالة الملك فرصة لتبادل الآراء والنصح، والدفاع عن مصالح الأردن، والتفاهم حول عديد القضايا الثنائية والإقليمية.اضافة اعلان
الإدارة الحالية تتشابه رؤيتها مع الأردن حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حد التطابق، ويتوقع أن يكون النقاش منصبا ليس على أبجديات الحل وأسسه الراسخة وطرق حله العقلانية المتفق عليها، بل كيف نقترب عمليا خطوة أو خطوات تجاه إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين الى طاولة المفاوضات. بايدن وهاريس أعادا تمويل الأونروا وفتحا قنصلية بالقدس للفلسطينيين، وكفنا صفقة القرن المراهقة، وهذه كلها دلالات على أنهما أكثر اتزانا ويدركان شكل الحل المطلوب، وتتضاعف القناعة بضرورات إعادة الأطراف لطاولة التفاوض بعد المواجهات الأخيرة في القدس وغزة. الأردن سيخاطب عقل وإدراك الإدارة والمؤسسات الأميركية، بلغة تقنعهم وتتماهى مع المنطق، وهو في هذه الحالة سيركز على ضرورة استثمار مغادرة نتنياهو، والتعلم من دروس المواجهات الأخيرة، وأن تقدما حقيقيا قد يحدث على أرض الواقع إذا ما سخرنا الوقت والجهد لذلك، وأن أولويات الإدارة تجاه الصين وروسيا لا ينبغي أن تحرمهم من قطف ثمار جاهزة في ملف القضية الفلسطينية.
العلاقات الثنائية الاقتصادية والعسكرية بالتأكيد أيضا ستحظى بنقاش عميق واستراتيجي، وهي علاقات راسخة وقوية تجمعها عقود من الصداقة والتحالف، وأيضا مصالح متبادلة مشتركة بين الدولتين. يكفي أن نعرف أنه طوال سنين الحرب على الإرهاب، قاتل الجنديان الأردني والأميركي في الخندق نفسه لدحر هذا الشر عن الإنسانية، ناهيك عن طيف واسع من النشاطات العسكرية الأمنية والاقتصادية المشتركة، حيث يعد الأردن ثاني أكبر مستقبل للمساعدات الأميركية بالعالم على مستوى حصة الفرد. أميركا والأردن سينقاشان كيف يمكن مساعدة الأردن على التعافي من أزمته الاقتصادية الخانقة وما سبل تحقيق ذلك، والأردن يذهب لواشطن مسلحا بمراجعة صندوق النقد الثانية التي شهدت على مصداقية الأردن والتزامه بالإصلاح.
سيستمع الأميركون لنصائح الملك ورؤيته للملفات بكل اهتمام وإجلال، فهو صاحب المصداقية العالية على المستويين الإقليمي والدولي، وأثبت عبر عقود أن نصائحه وتقييماته للملفات كافة هي الأكثر صدقية وعمقا ودقة، مدعومة بأجهزة محترفة تضع المعلومات والتقييمات أمامه. الملك يدرك ما يمكن وما لا يمكن، وكيف تتحقق الأهداف وتحصد النتائج، وهو لذلك صاحب تأثير كبير ومهم في دوائر صناعة القرار الأميركية والدولية.