الملك وعامل الوطن ورجال الدولة

يحتار المرء وهو يراقب سلوك رجال الدولة والطريقة التي يتعاملون بها مع المواطن العادي الذي لم يسعفه الحظ لينضم إلى نادي الفئة القليلة المتكرشة التي تتنعم بخيرات دافعي الضرائب، فلم نسمع بلفتة إنسانية قام بها أحد رجال الدولة السابقين والحاليين إذ يفضلون البقاء في أبراجهم العاجية وقضاء أوقاتهم مع أناس يشبهونهم أو، على الأقل، لا يذكرونهم بنتائج وبؤس السياسات التي اتبعوها.اضافة اعلان
لا نذيع سراً عندما نقول بأن جلالة الملك هو الوحيد الذي يقوم بين الحين والآخر بلفتة إنسانية آخرها كان استضافة "عامل وطن" ليشاركه وولي العهد مشاهدة مباراة الأردن مع سورية، وكان "فال" خالد الشوملي "عامل الوطن" خيرا إذ فاز الأردن وتأهل للدور التالي. لا توجد شحنة معنوية يمكن أن تمنحها لعامل وطن كتلك التي تأتي تقديرا لمساهماته في بناء الوطن. وعلى نحو لافت تناولت وسائل التواصل الاجتماعي صورتين: واحدة تظهر الملك وولي عهده وخالد الشوملي يشاهدون المباراة وأخرى تظهر عامل وطن يشاهد المباراة من الشارع بالقرب من مقهى لأنه لا يمتلك ثمن الجلوس في مقهى لدعم منتخب بلاده والاستمتاع بالمباراة.
وعودة على بدء لنا أن نسأل عن مساهمات رجال الدولة السابقين في الحياة العامة، فجلهم لا يقدم شيئا يذكر سوى المشاركة في مناسبات اجتماعية مثل العزاء وتقدم الجاهات، ولا يعبر هذا السلوك عن رغبة حقيقية لهذه الفئة في مشاركة الناس أحزانهم وأفراحهم بقدر ما تقدم لهم هذه المناسبات فرصة الظهور! فهم يستغلون حتى حزن الناس ليؤكدوا لنا بأنهم موجودون. باستثناءات بسيطة ومحدودة، لم نسمع عن تبرع أحد البرجوازيين من رجالات الدولة بتقديم مساعدات إنسانية لطالب محتاج، ولم نسمع لهم أن تبرعوا في إقامة مبنى في جامعة. وللأسف بعض المباني تحمل أسماء هذه الشخصيات دون أن يساهموا بفلس واحد في تشييدها أو صيانتها.
لا أعرف ما الذي كان يدور في ذهن الملك عندما قرر استضافة خالد الشوملي، فهو لا يعرفه على المستوى الشخصي، وربما كان أمام الملك ملفات أكثر أهمية من مشاهدة مباراة كرة قدم مع خالد الشوملي، لكن أيضا ربما كان هناك رسالة واضحة لرجال الدولة أيضا، لماذا لا يقتدون بالملك؟! لماذا لم يقدموا على لفتات من هذا النوع ما يعني رفع أسهمهم عند الشعب الأمر الذي يساعدهم على التدخل لتهدئة الأوضاع عندما تستدعي الحاجة.
حتى نكون منصفين، يعاني رجال الدولة من مشكلة "المقبولية" بدليل استطلاعات الرأي العلمية التي تظهر فجوة ثقة بين الناس والحكومات وهنا طبعا الحديث عن الوزراء ورؤساء الوزارات السابقين. فقدرة رجال الدولة على مخاطبة الجماهير متواضعة، وقدرتهم على اقناع الناس بأي سياسة أقل تواضعا. فهم مجموعة من المحظوظين الذين وصلوا إلى مواقعهم – بصرف النظر عن تميز أو تواضع مؤهلاتهم أو كفاءاتهم – بواسطة أليات لا يرتاح لها الشعب الأردني. بالمناسبة هم يعرفون ذلك، وعليه لا يحاولون التقرب من الناس العاديين، فمتطلبات البقاء السياسي لهم لا تستوجب التعامل مع الناس. لذلك عندما يخرجون من مواقعهم لا يجدون التقدير الشعبي الذي كان ينبغي أن يتناسب مع من يمتلك لقب رجل دولة!
هذه الفئة هي عبء على الدولة وعلى الملك أيضا، فهي ما تزال تتنعم بمزايا لا يستحقونها وفي الوقت ذاته غير قادرة على اقناع الناس بأي خطوة رسمية وبخاصة تلك الخطوات المتعلقة بالاقتصاد. هم باختصار، مجموعة من الشخصيات التي وإن خرجت من الموقع العام – بعضهم عاد في مواقع تنفيعية – تعتقد بأنه لا يترتب عليها فعل أي شيء سوى انتظار أن يأتيها دور التكليف في مناصب ومواقع لا تقل عن تلك التي كان يشغلونها.