الملك يطلق صافرة الإصلاح الشامل

لقد رسم جلالة الملك في الأيام الماضية في مقابلته مع وكالة بترا ولقاءاته في قصر الحسينية رؤيته الإصلاحية للمرحلة المقبلة. لعملية الإصلاح السياسي الأولوية في معالم هذه الرؤية ولكنه أيضًا ركز على الإصلاح الإداري وقبل ذلك الإصلاح الاقتصادي من خلال التنمية المتوازنة والاهتمام بالزراعة وضرورة تكريس الاعتماد على الذات.اضافة اعلان
هذه الرؤية تشكل منظومة إصلاحية متكاملة ترقى لما طالب به في فترة سابقة بالحاجة لثورة بيضاء في كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والإدارية في المملكة.
توقيت هذه الرسائل الملكية للحكومة والشعب لا يقل أهمية عن المضمون. بداية فقد جاءت هذه الدعوات والمملكة على اعتاب المئوية الثانية وهي بذلك تشكل دعوة لتطوير النسخة الثانية من مشروع النهضة العربية التي شكلت الأساس الذي انطلقت منه الدولة الأردنية خلال المائة عام المنصرمة.
ثانيًا تأتي هذه الدعوة استكمالًا لعملية الإصلاح التي انطلقت منذ عقدين تقريبًا وواجهت عقبات كثيرة في تطبيقها نتيجة تلكؤ الحكومات المتعاقبة في عملية الإصلاح الشامل الذي طالما حدد معالمه الملك في رسائل التكليف للحكومات أو من خلال الأوراق النقاشية الملكية. لقد ساد تفكير لدى تيار واسع من المسؤولين الحكوميين بأن الأولوية يجب أن تكون لمعالجة المشاكل الاقتصادية أولا ثم يأتي الاصلاح السياسي.
بالرغم من أهمية هذه المشاكل لكن التجربة أثبت أنه لا يمكن إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشكلات دون مشاركة سياسية حقيقية ودون إصلاح إداري للبيروقراطية الأردنية والتي اعتراها الترهل والفساد والواسطة والمحسوبية.
الرؤية الملكية أعطت الأولوية للإصلاح السياسي لأهميته وخاصة فيما يتعلق بقانون الأحزاب والانتخابات واللامركزية على أمل الوصول لحكومات برلمانية بالمستقبل.
الإصلاح السياسي لا يقتصر فقط على التشريعات ولكن يجب أيضًا أن يطال الثقافة السياسية والقيم المرتبطة بعملية الإصلاح. الثقافة السياسية السائدة الآن هي سلبية وتشهد تراجعًا كبيرًا بالثقة بالمؤسسات العامة وبالعملية الانتخابية برمتها وحتى في مؤسسة البرلمان. بغض النظر عن قانون الانتخاب فإن المال الفاسد الذي تزايد استخدامه مع مرور الوقت ليصبح العامل الأهم بنتائج الانتخابات البرلمانية والتي أدت إلى إحجام العديد عن ترشيح أنفسهم وضعف شديد بالإقبال على الانتخابات. لقد تم إفساد العديد من المواطنين بهذه الممارسة غير القانونية والتي لحد الآن لم تجد الجهات المعنية آلية فعالة لمحاربتها. ان عملية الإصلاح المنشودة يجب أن تعالج هذا الموضوع بشكل نهائي لأنه أدى لتشويه مخرجات العملية الانتخابية على مدى عدة دورات.
المسألة الثانية التي يجب أن يراعيها الإصلاح السياسي المنشود هي كيفية تفعيل دور الاحزاب السياسية لتصبح جوهر العملية السياسية. إن لوم المجتمع والأحزاب على ضعف الأحزاب ليس كافيًا بل لا بد من التفكير خارج الصندوق في ايجاد صيغة لضمان مشاركة الأحزاب السياسية وهذا لا يعني بالضرورة الأحزاب الحالية فقط وإنما صيغة سهلة لتشجيع الناس على الإقبال على الأحزاب. عدم الثقة التاريخية بالأحزاب لم يعد مبررا لا شعبيًا ولا رسميًا طالما أن الجميع تحت القانون والمساءلة. لن تكون العملية سهلة وقد تحتاج لوقت ولكن المهم البداية بوضع الحلول.
أعلنت الحكومة بأنها سوف تقوم قريبًا بإجراء الحوارات مع الأطراف المعنية وهذا ضروري ومهم ولكني أقترح وكسبًا للوقت أن تبلور الحكومة مشروعها للإصلاح السياسي وتطرحه للنقاش ليكون نقطة البداية.
لقد قدم الملك رؤيته للإصلاح من خلال الأوراق النقاشية وكتب التكليف وفي غيرها من المناسبات. أعتقد أنه من المفيد استخلاص برنامج إصلاحي سياسي وشامل استنادًا لهذه الرؤية التي لاقت ترحابًا وإجماعًا كبيرًا لدى كافة الاطراف الرسمية والشعبية.
نحن أمام فرصة تاريخية لصياغة مشروع نهضوي جديد ندخل به المئوية الثانية بكل ثقة واقتدار. أنصاف الحلول لم تعد مجدية ولا بد من برنامج جدي وتدريجي يحقق الطموح ويعظم من انجازات الدولة والمجتمع.