المناهج والعقول يا معالي الوزير!

 انتهت أمس امتحانات التوجيهي، وهذا العام كنت قريبا جدا من التجربة كأب لطالبة توجيهي واطّلعت على بعض المواد، وصدمتني على وجه الخصوص مادّة الثقافة العامّة التي كتبت عنها في الفصل الأول مقالا نال تأييدا واسعا.

اضافة اعلان

تابعت قراءة الجزء الثاني من الثقافة العامّة لهذا الفصل ووجدت النصّ مقبولا فقط حيثما جرى نقل المعلومات بإيجاز محايد، لكن كلما تدخل في صياغة الأفكار والمفاهيم تحوّل الى كارثة، أحيانا بسبب الانحياز والتخلف وأخرى بسبب السطحية والتزلف وثالثة بسبب الادّعاء والانتقائية والتكلّف، وعلى الطالب حفظ الكتاب حرفا حرفا بما في ذلك فقرات كتبت بصياغة بائسة متكلفة أتحدّى أن يعيد كاتبها نفسه قولها غيبا.

كل شيء يجب حفظه غيبا وغالبا من دون مبرر أو فائدة كما لو كان القصد تعذيب الطلبة بما لا طائل من ورائه، لكن ذلك ينطبق على اسلوب التدريس كلّه الذي يعتمد على التلقين والحفظ الأصمّ وارهاق عقل الفتيان من دون جدوى، وعلى حساب تنمية القدرات الذهنية في الفهم والتحليل والاستنتاج.

في المضمون سأختار نماذج: مقابل "الديمقراطية الغربية" يأتي المؤلف بمصطلح "الديمقراطية الشرقية" - لا أدري من أين!- وتعريفها "أن يترك الحكم لفئة متخصصة في الشؤون الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وهي فئة لديها العلم والمعرفة والتجربة والحنكة أكثر من أفراد الشعب الآخرين"! ولا أعرف من أين أتى بتقسيم "الطبقة الرأسمالية" الى طبقتين 1- البرجوازية 2- أصحاب رؤوس الأموال!

هناك فشل في تقديم المادّة الوطنية بصورة مفيدة. ففي الفصل الذي يتحدث عن الهاشميين يتحول النصّ الى عبء ثقيل عندما يطلب مثلا حفظ 32 نقطة عن الفكر القومي لدى كل ملك من الحسين بن علي حتّى الحسين بن طلال طيب الله ثراهما، وفي سيرة الهاشميين يغفل ما حصل للعائلة في العراق ربما تحرجا وكأن الطالب لن يسأل ولن يعرف، مع أن الفصل يستعيد تضحيات الهاشميين القديمة منذ كربلاء.

أمّا ما هو أخطر فكريا وثقافيا فنكتشفه حين يعرج النصّ على موضوع  التطرف. إذ يتحدث عنه في كل مكان وعند كل الفئات باستثناء الدول العربية والإسلامية! إنه يضرب أمثلة على التطرف السياسي أو الديني أو القومي مثل النازية والفاشية وبعض الأحزاب الصهيونية مثل كاخ وشاس، واليمين المتطرف في أوروبا الذي يهاجم الأقليات والجاليات غير الأوروبية والجماعات التي تتغطّى بالدين مثل الهندوس في الهند والصرب في البوسنة والهرسك!

هكذا في الزمن الذي يعاني فيه العالم العربي والإسلامي من ظاهرة التطرف والإرهاب التي تتصدر المشهد، وتسخّر الدول والحكومات كل الطاقات والموارد لمواجهتها وحماية الشباب من عدوانها يضع نصّ الثقافة العامّة للتوجيهي عامدا متعمدا وبفعل فاعل رأسه في الرمل لعمق عشرة أمتار وأكثر.

يا معالي وزير التربية؛ نعلم أنك منحاز للحداثة وقد عملت بكل حدب على إدخال الكومبيوتر واللغة الإنكليزية الى المدارس الابتدائية.. لكن أنصار القاعدة والجماعات المتطرفة اليوم هم الأكثر براعة في استخدام الكومبيوتر وتوظيف الانترنت!

المناهج! المناهج والعقول يا معالي الوزير!

[email protected]