آخر الأخبار حياتناحياتنا

“المنسف”.. احتفالية ثابتة من قلب المجتمع ذات معان اجتماعية وثقافية

تغريد السعايدة

 لطالما كانت الأكلة الأردنية الشهيرة “المنسف”، أحد مظاهر الحياة الاجتماعية في جميع محافظات الأردن، وفيها دلالات عديدة، حتى تم إدراجها مؤخراً على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.

“المنسف” يعد طبقاً رئيسياً في مختلف مناطق المملكة، وضمن المظاهر الاجتماعية التي يعتني بها المضيف لتقديمه بأجمل صورة للضيوف، حتى بات كل من يزور الأردن من سياح عرب وأجانب لا تخلو رحلتهم السياحية من تجربة المنسف الأردني، الذي يبدع بتقديمه وإعداده الأردنيون.

“التراث الثقافي غير المادي” الذي تسعى منظمة اليونسكو إلى الاهتمام به وتحديثه بين الحين والآخر لإدراج الكثير من مظاهر الحياة الاجتماعية في دول العالم، يطلق عليه كذلك “التراث الحي”، الذي يتمثل ب”تدوين وأرشفة التفاصيل الخاصة بالمهارات والممارسات التقليدية للشعوب، وأشكال التعبير والمهارات، التي ترتبط بعدد كبير من المجتمع حتى بات إحدى سماتهم ويعرفون بها في باقي المجتمعات”.

ومن هنا، كان للمنسف الاردني، أهمية لدى المسؤولين في منظمة اليونسكو، القائمين على اختيار القوائم لثقافات الشعوب غير المادية؛ أي أنها لا ترتبط باقتصاد ولا سياسة، وإنما ترتبط بالشعوب وعاداتها وتقاليدها التي يتم توارثها جيلاً بعد جيل، ولا تندثر مع مرور الزمن، وتصبح مع الوقت صورة من أنماط المجتمع الكبير.

“هو ليس مجرد أكلة نتناولها في بيوتنا، بل هو تقليد يجمعنا ونعبر به عن إكرام ضيفنا”، هكذا يصف الأردنيون وجبتهم المتوارثة، وكما يقول رأفت عمر، ضمن مجموعة تعليقات على إدراج المنسف ضمن التراث غير المادي، “إن المنسف الأردني ليس فقط أكلة نتناولها وإنما موروث خاص بنا وبعائلاتنا وإحدى صور التعبير عن الكرم الأردني”.

الفنان التشكيلي الأردني عمر بصول، كتب يقول “هو منتج بيتي أردني أصيل فيما فيه من القيمة الغذائية التي يتغنى بها أهل الكرم والضيافة ويتميز به الأردنيون ونكرم به الضيوف مهما كانت المناسبة إن كان لفرد أو جماعة، وهو مرتبط بشكل كبير بالقهوة العربية، وهو يسجل أعلى رقم قياسي في العادات والتقاليد المتعارف عليها بين الأردنيين ويقدم لمن له قيمة أو واجب ويكرم فيها الضيف أو الضيوف على الساحة الأردنية”.

“اليونيسكو” وصفت وجبة “المنسف الأردني” من ضمن بيانها حول اختياره ضمن قائمة التراث العالمي غير المادي أنه “ليس مجرد طبق يتكون من اللحم والأرز والخبز، بل هو مأدبة احتفالية ذات معانٍ اجتماعية وثقافية”، وأن الشكل المغري للطبق وطعمه الشهي ليسا العاملين الوحيدين اللذين أديا إلى إدراج المنسف على قائمة اليونسكو؛ إذ يعد التجهيز بحد ذاته حدثا اجتماعيا.

خبير التراث والمدون الأردني الدكتور نايف النوايسة، الذي كان من ضمن فرق التحكيم في اختيار التراث غير المادي “الحي”، قبل سنوات عدة، بين أن الأردن طرحت فكرة إمكانية إدراج المنسف ضمن التراث الحي في العالم، حيث إنه تنطبق عليه الشروط كافة التي يتم تطبيقها لاعتمادها عالمياً.

وفي ذلك، يؤكد النوايسة أنه وقبل عشر سنوات تم التداول بين المحكمين في الأردن والمشرفين في مقر منظمة اليونسكو في باريس، حول أهمية أن يكون طبق المنسف جديرا بهذا الوصف، وأن يكون معتمدا في العالم، كونه أكلة شعبية وهناك أسباب عدة لهذا الاختيار.

ومن أبرز تلك الأسباب، كما يوضح النوايسة، أن المنسف هو الأكثر أهمية في المناسبات العامة والخاصة في الأردن، وهذا أمر متفق عليه في المجتمعات الأردنية، كما يتم تناقله وتوارثه بين الأجيال منذ عقود عدة، عدا عن أن مكونات العنصر المادي “المنسف” موجودة جميعها في البيئة الأردنية من لحم، جميد، سمن، خبز، وهذا ما جعله نابعا من البيئة الأردنية.

إضافة إلى ذلك، يبين النوايسة الطريقة التي يطهى بها المنسف وهي خاصة بالأردنيين فقط، ولا يستطيع أحد إعداده كما يفعلون، وعادة يعده الرجال أكثر من النساء، وهذا من ضمن شروط إعداده كما كان منذ عقود، إضافة إلى وجود طرق معينة لتناوله، وهذا يعد من مميزات المنسف الأردني.

وكما أن العديد من الدول لها اهتمامات بموروثاتها التقليدية وتحرص على الاحتفاظ بطقوسها، فإن الأردنيين عليهم أن يثمنوا هذا القرار العالمي لكون المنسف أحد أطباقهم المميزة التي ارتبطت بتاريخ العائلات على مر السنين، كما يقول النوايسة، وأن يحافظوا على تلك الطقوس الخاصة بتناول المنسف، كما في طريقة وضعه في الطبق الخاص به، وطريقة تناوله المعتمدة “الأكل بثلاثة أصابع فقط، وعدم تجاوز الآخرين، ووضع الرأس بالطريقة المناسبة الذي له دلالات مجتمعية كبيرة”، وأن نعلم الأجيال المقبلة تلك الطقوس حتى يبقى جزءا من الهوية التراثية الحية، كما باقي الشعوب في العالم التي تتغنى بتلك المأكولات الخاصة بها.

ويشيد النوايسة بالدور الذي قدمته وزارة الثقافة في هذا الجانب؛ حيث قامت بالتواصل مع اليونسكو، والتنظيم لعمل الإجراءات اللازمة بذلك، وتم عمل مقابلات مع المعنيين وذوي الخبرة في التراث الحي الأردني، كما في منتدى درب الحضارة الذي تبنى هذا الأمر منذ البداية، حتى تم اعتماد “المنسف” في قائمة التراث العالمي.

وتعنى اليونيسكو بالاهتمام بالعديد من المجالات في مختلف المجتمعات وفي التراث الثقافي غير المادي، وأهمها “الممارسات الاجتماعية والطقوس والاحتفالات، والمعارف والممارسات المتعلقة بالطبيعة، والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية مثل العادات والتقاليد وأشكال التعبير الشفهي، وفنون أداء العروض”.

اقرأ المزيد : 

رسميا.. إدراج المنسف الأردني على لائحة التراث العالمي

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock