"المنسيون بطولات وآلام".. رحلة في الذاكرة والوجدان الفلسطيني

الغلاف - (من المصدر)
الغلاف - (من المصدر)

عزيزة علي

عمان- صدر عن داري: جسور ثقافية للنشر والتوزيع في عمان، والرعاة للدراسات والنشر في رام الله، كتاب بعنوان "المنسيون بطولات وآلام"، للكاتب الفلسطيني ابو علاء منصور (محمد يوسف).اضافة اعلان
يعرف المؤلف هذا الكتاب بأنه "رحلة في الذاكرة والوجدان، ومضات سريعة وقصص مبعثرة عن البطولة والوجع.. وهو ثمرة جهد استغرق مقابلة حوالي مئة وخمسين أسيراً وأسيرة سابقين، وقراءة أكثر من ثلاثين كتاباً ورواية ومسرحية عن السجون". وبناء على الحكمة اليونانية القائلة (كتاب كبير، كارثة كبيرة)، يقول المؤلف "بذلتُ قصارى جهدي ليأتي مختصراً ففي فرنسا يقال (الأسلوب إنسان)، ويقول رسول حمزاتوف في كتابه (داغستان بلدي)؛ أريد أن أحذف من الكتاب الذي سأكتبه كل ما هو زائد حتى لو كان الكتاب أطول بعشر مرات أو عشرين، ويقول الأديب حسين البرغوثي: (الكتابة فن الحذف).. وفي كل الأحوال لا يمكن لكتاب أو بضعة كتب أن تغطي مساحة نضالية بحجم وطن".
ويقول منصور منذ أن جثم الكيان الصهيوني على قلب فلسطين، والفلسطيني رأس حربة في معركة ضارية تتشابك فيها خيوط مصالح العالم وأطماع مستعمريه. وعلى مدى عقود طويلة من الزمان - منذ اتفاقية سايكس بيكو- على الأقل وهو يسير في درب الآلام متنقلاً بين انتفاضة وأخرى وثورة وثانية! يرتطم رأسه بالصخر فيخر دامياً، وما أن تلتئم جراحه أو تكاد حتى ينهض ويعاود الكرة.. قدر الفلسطيني أن وطنه وقع في عين العاصفة الاستعمارية الهوجاء التي اجتاحت المنطقة مع بداية القرن المنصرم، ولا سبيل له سوى أن يَثبُت ويقاوم ويبدع ليواصل رحلة الحياة.
ويحتوي الكتاب على النصوص التالية "من خزائن القراءة، الشروق، مرافعات، الأحلام لا تموت، درب التبانة، من أرشيف الذكريات، يتألمون بصمت، في سماء الحلم، مئة كرسي متحرك، دخل السجن مبصراً، العِرسة والفئران، الجليلية، الكركية\النصراوية، امرأة منصُوّان، جمل المحامل، نورس، المستحيل، (المجنونة)، المعلمة، الظلم ظلام، أحلام ونزار، ابنة البراري، الدكتورة، القفص، ملائكة العظمة، الروّاد، النضج، جنرالات الحجارة، مصنع المقاومة، قالوا في الكتاب".
الأكاديمي وأمين عام الجمعية العربية لعلم الاجتماع الدكتور محمد نعيم فرحات كتب بعنوان "تصدير-سرديات البطولة والخيبة"، إذ يرى أن الكتاب يضيء على مسألة مهمة ويقدم سردية منظمة ومؤلمة عن تجربة الأسر والاعتقال ترويها بطلاتها وأبطالها.. وما تبقى منها: مجداً وألماً في وعي وذاكرة من عاشوها، وما ترتب عنها من إحساس بالخيبة، خيبة يعيش في ثناياها بقايا أمل متعب.
ويشير فرحات الى ان هذه النصوص تشكل هيكلاً مجازياً مأساوياً يقوم على ركنين: الفعل المقاوم بمجده المتقادم وظل الفعل المقاوم بمتاعبه المتراكمة. هيكل يحتاج من الوعي الفلسطيني المعني، الوقوف أمامه وتأمله وقراءته وتفكيكه، كي يمنعوا في يوم قادم، اختلاط البداية الواعدة بالنهاية المأسوية.
ويرى فرحات أن تجربة الأسر الفلسطينية ظلت حتى الآن، بلا رواية حية توازيها وقائع ووجعاً، مجداً وخيبة وتداعيات، صورة وظلالاً. وبقيت حتى اللحظة بلا قراءة عميقة، منصفة ونقدية في آن، بما هي فصل مهيب من فصول شعب وجد نفسه وسط تاريخ من العذاب على ما وصف إدوارد سعيد يوماً. لذلك بقيت أسئلة التجربة تتراكم في اتجاهات عدة دون تأطير وعلى نحو مؤلم في أغلب الأحيان، وهذه النصوص هي محاولة مهمة في هذا الاتجاه.
ويقول فرحات إن هذا الكتاب يظهر الكثير ويشير لمخفي أكثر، لأن المؤلف كتبها من موقعه مشاركا وشاهدا ومطلعا وموجودا في صميم الحدث أو على أطرافه، من دون أن يجعل من الواقع الذي عاشه شاهداً على حضوره الشخصي، وكان أصيلاً ومنصفاً ورشيقاً وبسيطاً، وهو يقدم السردية العامة لمرحلة وجماعة وجدت نفسها في واحدة من أعقد ظروف التاريخ، وكان أمامها آفاق واسعة رغم صعوباتها كي تستثمر في الأمل والوعد والتحرر والانعتاق، لتجد نفسها وقد تقطعت بها وبمشروعها وآمالها شتى السبل.
ويبين فرحات ان منصور من خلال فعل الكتابة يضيف إلى سيرته، امتياز السرد والرواية والشهادة على أزمنة ولحظات وخيارات وشخوص ورهانات وانتصارات، كانت بطبعها وظرفها قلقة وإحباطات كانت في سياقاتها مستقرة وتجد لنفسها سنداً قوياً، تعقّب فيها الأحداث والعواطف والمشاعر، وتأمل فيها بما لها، وكان شجاعاً في الإشارة لما عليها، وبرهن على نحو فردي بأن صاحب السردية يعرف طريقه نحو الحق، ومن كانت سرديته مفتتة أو متوترة أو منسية، سيعاني في رؤية طريقه نحو حقه أو ما يعتقد بأنه حق له.
ويرى فرحات أن السرديات ليست مجالاً للندب أو دعوة لممارسة طقس النحيب، بل هي مشروع للذهاب نحو أفق مختلف، يجب أن يظل قيد الإمكان تحت كل الظروف، مبينا ان المؤلف أضاف خيارات كثيرة من دون عناء كبير لكن بعناية، قوة السرد المخلص والمفتوح على أفق شجاع ودور الشاهد: بلا مزاعم ودون تكلف وبعيداً عن التزييف. وهو بذلك يقوم بواجبه إزاء نفسه، وإزاء الحقبة التي عاش فيها على نحو يستحق التنويه والاعتراف.