المنطقة الخضراء


مصطلح المنطقة الخضراء احد مفردات الوضع العراقي وبخاصة بعد الاحتلال الامريكي, وهي المنطقة التي تتواجد فيها المواقع القيادية ومقر قوات الاحتلال والمكاتب الهامة والسجون الخاصة وبيوت كبار المسؤولين في الحكومة المؤقتة, وبشكل عام انها تضم كل ما يحتاج الى عناية خاصة وحراسة مشددة, ويعيش فيها كل من لا يأمن على نفسه من العيش في بقية اجزاء العراق.

اضافة اعلان

وبالمفهوم السياسي فإنها تعتبر (الجيتو) الذي يلجأ اليه قيادات الحالة السياسية العراقية التي اوجدها الاحتلال, كما انها تضم المراكز العسكرية الهامة بما فيها قيادات جيش الاحتلال والاجهزة الاستخبارية, وكل هؤلاء يجمع بينهم قاسم مشترك وهو الشعور بالغربة والاغتراب عن بقية اجزاء العراق, حيث لا يشعر هؤلاء بالامن والاطمئنان الا داخل حدود هذه المستعمرة التي تمتد مساحات شاسعة في العاصمة بغداد.

وخارج اطار القضية العراقية فإن مفهوم المنطقة الخضراء جزء من تركيبة الكثير من الدول والمجتمعات والانظمة, وهي تعبير عن شعور بالغربة وعدم الانسجام والتوافق بين اي هيئة سياسية ورعاياها, سواء كانت هذه الهيئة حكومة او نظام حكم او حزب؛ والغربة مستويات تبدأ من الشعور والقناعة بضعف الشرعية او غيابها الى حدود ضعف الانجاز والاستعاضة عنه بكثرة الحراك والبلاغة التي قد تستهلك بعض وقت الناس واهتمامهم لكنها غير قادرة على استغفالهم فترات طويلة.

المنطقة الخضراء مساحة من الجغرافيا او السياسة او الاعلام او الاجراءات التي يهرب اليها البعض من محيطهم ويمارسون فيها عزلة للشعور بالضعف او لعدم القدرة على مواجهة اهل بقية المناطق, واحياناً يمارس اهالي المناطق الخضراء وهماً من التواصل عبر اشكال ووسائل فيها وهم التواصل لكنها في الحقيقة تعزز العزلة؛ فالاعلام والمقابلات والخطابات والتصريحات مهما كانت كثافتها لا تعادل عمليات التواصل الحقيقية التي يقترب فيها علية القوم في كل مجتمع او دولة ليس مع الناس فقط بل مع همومهم ومشكلاتهم وقضاياهم, وهذا الاقتراب ان كان صادقاً وحقيقياً يشعر به الناس ويبادلونه الحب دون الحاحة الى استنطاقهم او اخراجهم في تظاهرات مدفوعة بالاجر او بالأمر كما عرفتها شعوب الامة في فترات حكم التقدميين والرجعيين على حد سواء.

وليس ضرورياً ان يكون لكل مجتمع او دولة منطقة خضراء واحدة, فهنالك مناطق خضراء بأحجام مختلفة حسب دور ومساحة تأثير صاحب واصحاب المنطقة, فيمكن لنائب يدير ظهره لناخبيه بعد ان يحصل على اصواتهم وينال امتيازات موقعه ان يقيم في منطقة خضراء تعزله عن حاجات هؤلاء, ولا يخرج عليهم الا في اطار محدود من المناسبات الاجتماعية التي يغادرها مسرعاً محتجا بالانشغال والمواعيد والارتباطات التي قد لا تكون اكثر من دعوة على غداء او عشاء, او ربما يعود الى بيته ليغلق باب منطقته الخضراء على نفسه وعائلته.

الكثير يمكن قوله عن المناطق الخضراء, لكننا نشير اخيراً الى ان الابتسامات والامان الذي نراه على وجوه قادتها ليس اكثر من امن مؤقت اشبه بالقنابل الموقوتة, حيث ينتهي ويزول لصالح الخوف والاغتراب مع كل خطوة باتجاه الخروج من المنطقة الخضراء, وهي منطقة تبقى اقرب الى(الجيتو) مهما زادت مساحتها او تعاظمت تفاصيلها واكسسواراتها السياسية.