المواجهة المؤجلة

ربما راهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أكثر مما ينبغي على روسيا لتقوم بكبح جماح قوات بشار الأسد وكأن الأخير هو صاحب القرار في المسائل العملياتية والاستراتيجية في سورية. في البداية كانت حسابات أردوغان قائمة على التقارب مع الرئيس بوتين حتى يكون لأنقرة تأثير في مخرجات الحل في نهاية المطاف. فتدخل روسيا العسكري منذ أكثر من أربع سنوات قلب موازين المواجهات الداخلية لصالح بشار الأسد والقوى المتحالفة معه. بمعنى أن أنقرة أدركت أن تغيير نظام بشار مسألة يقررها الروس وحدهم!اضافة اعلان
اللافت أن الرئيس أردوغان تلاعب بتحالفاته بشكل سلبي عندما قام باستعداء عدد من الدول الغربية المؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة، والأهم أن أردوغان اعتقد خاطئا بأن التقارب مع بوتين يمكن أن يمنحه ورقة تفاوض في التعامل مع الغرب لكنه ربما تجاهل أن المواجهة المباشرة والمؤجلة بين روسيا وتركيا هي سيناريو محتمل وربما هذا ما دفع أنقرة الطلب من واشنطن تزويدها بصواريخ باتريوت في وقت وصلت فيه العلاقات التركية الغربية إلى نقطة متدنية.
يدرك الرئيس التركي جيدا بأن الغرب لا ينظر بارتياح لقيادته تركيا ولا لسياساته، وأكثر من ذلك هناك اتهامات تركية للغرب بدعم الإرهابيين وبدعم الانقلاب الفاشل في تموز 2016، لكنه أيضا يدرك بأن المواجهات العسكرية الأخيرة تستدعي ردا غربيا واضحا وبخاصة وأن تركيا هي عضو مهم في حلف الناتو وأن احراجها عسكريا أمام روسيا – في حال اندلاع مواجهات مباشرة – سيضع الناتو أمام خيارين: مساعدة تركيا وتحقيق الردع أو التخلي عن تركيا وبالتالي فقدان مصداقية التحالف.
بشكل عام، يتهم الغرب روسيا في الوقوف خلف الهجمات الأخيرة، فلا يمكن أن تكون روسيا عاجزة عن كبح جماح الأسد لأن بقاء الأخير وقدرته على القتال تعتمد بشكل مباشر على الدعم الروسي. لكن هناك معضلة بالنسبة للرئيس دونالد ترامب شخصيا، فمن جانب يقدر بوتين ويعتبره رئيسا قويا ويرحب بالتعاون معه في مجالات عديدة إلا أنه أيضا في الوقت ذاته يعتبر الرئيس أردوغان رئيسا قويا ينبغي التعامل معه أيضا. وبالتالي هل يقف على الحياد أم ينحاز لطرف من أطراف النزاع؟
بصرف النظر عن مواقف ونزوات الرئيس ترامب، الغرب بحاجة للتأكيد على صدقية التحالف وهنا الحديث عن الناتو لأنه لا يمكن نظريا أن يفقد مصداقيته في لحظة تحولات دولية كبرى، فتركيا دولة قوية ولم تتراجع في سورية وقامت بالمساهمة في استرداد سراقب موجهة بذلك ضربة مزدوجة لبشار الأسد وبوتين. فلا يمكن لثاني أكبر جيش في الناتو أن يقف مكتوف الأيدي وروسيا تعيد رسم المنطقة وفقا لتطلعات قيصرها. وعلينا ألا ننسى أن هناك صراعا طويلا وتاريخيا بين أنقرة وموسكو لا يمكن لأي تحالف تكتيكي أن يغير من الطبيعة التنافسية للعلاقات بين الدول الكبرى.
المواجهة المؤجلة بين روسيا وتركيا يمكن أن تندلع في أي لحظة في حال فشل الناتو التأكيد على الدفاع عن تركيا، فهناك حاجة لإرسال رسالة إلى بوتين مفادها أن تركيا لن تكون وحدها في أي مواجهة مباشرة قادمة وأن الناتو سيدافع عن تركيا، عندها فقط يمكن أن يصل بوتين إلى قناعة بأن الخيار العسكري سيكون مكلفا على روسيا نفسها، فما من شك أن روسيا ستعاني كثيرا من مجرد مواجهة تركيا فما بالكم بالناتو!
بكلمة، هناك خياران لتجنب التصعيد العسكري بين تركيا وروسيا: تراجع تركيا ما يعني نصرا سهلا لقوات بشار في نهاية المطاف أو التأكيد على قوة الردع للناتو ما يجبر بوتين على كبح جماح قوات الأسد والدفع بشكل جدي بعملية سلمية للتوصل لحل سياسي.