ضيوف الغد

المواطنة سبيلنا لبناء ونهضة الوطن والأمة

عبد الله كنعان

تتشكل المواطنة التي تدفع الفرد دائماً نحو العطاء والبذل والتضحية في سبيل نهضة الجماعة التي ينتمي اليها في المجتمعات الانسانية قديماً وحديثاً من ركيزة ومتطلب أساسي هو الانتماء، ويمهد الانتماء الحقيقي لتطوير بناء الدولة في كافة المجالات، بخاصة عندما تتضافر جهود الجميع ومساهمتهم في الأنشطة والأعمال التي تقود لحالة التطور والنهضة المرجوة، الأمر الذي من شأنه تعزيز مفهوم المواطنة لدى الفرد مهما كان مركزه وعمله وشعوره بأهميته داخل مجتمعه باعتباره عنصرا منتجا وفعّالا الى جانب وعيه بما يقع عليه من واجبات وما له من حقوق.
وقد وضع العديد من المفكرين الانتماء للوطن بنفس مستوى حالة الانتماء للمعتقد، فكلاهما يعبران عن هوية وشخصية حضارية مهمة حيث يكون الفرد متمسكاً بقيم ودوافع وحوافز تزيد من درجة شعوره بضرورة الاخلاص لما ينتمي اليه، كما يتحقق لديه شعور بالأمن والأمان وتتعزز لديه الثقة بأن هناك قيمة لحالة المواطنة التي يمارسها وينشط على تعميقها. واجدني اليوم اتمعن واتعمق بمدلولات مفهوم المواطنة ونحن نعيش مع نفحات شهر رمضان المبارك نفحات اخرى لها قدسيتها وهي الاحتفال بذكرى يوم الاستقلال، هذا الاستقلال الذي صنعته المواطنة ومشاعر الانتماء لدى فئات المجتمع الاردني والتي التقت ايضاً مع رغبات وتطلعات القيادة الهاشمية رائدة الاستقلال وقائدة مسيرة بناء الاردن الحديث.
ان ما يعانيه المواطن أحياناً من نقص في الاحتياجات والمتطلبات على اختلاف درجات ضرورتها ليس سبباً أو مبرراً على الاطلاق له أو لغيره اطلاق عبارات يتعرضون فيها لقيم المواطنة التي تدعو لسيادة القانون والنظام، وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية، وقد تكون الحالة الاقتصادية الصعبة والظروف الاقليمية تشكل عاملاً كبيراً في قدرة الدولة على توفير متطلبات المواطنين، اضافة الى محدودية الموارد بخاصة اذا كانت الدولة لا تمتلك “كما هو حال الاردن” أي مورد استراتيجي كالنفط مثلاً، وبالتالي فإن تماسك بنية المجتمع وتعاضد العلاقات بين افراده والتفافهم حول قيادتهم ووعيهم بقيمة ما يملكون من ارث تاريخي عظيم شيده الآباء والاجداد، ووجود نماذج كثيرة من الشباب المعطاء المثقف القادر على تغيير الحال الى حال أفضل ضمن منطلقات أولها الانتماء للوطن وللقيادة الهاشمية، وثانيهما اتباع منهج الحوار والتشاركية في صناعة القرار الوطني، كل ذلك يستدعي بناء استراتيجية اقتصادية وطنية تكاملية تعالج جميع التحديات وفق خطة تسعى لتحقيق الاهداف والأمال التي ينادي ويرغب بها الجميع.
وهنا استذكر ان سمو الامير الحسن بن طلال بيّن مفهوم ومضامين المواطنة في ندوة (المواطنة في الوطن العربي) التي عقدها منتدى الفكر العربي في الرباط 21- 22 نيسان (ابريل) حيث أشار سموه الى أن المواطنة الكاملة هي التي تراعي البعد الانساني والبعد الديمقراطي (تأكيد مفهوم التشاركية) والبعد البيئي (الانتماء للارض وحمايتها)، والبعد القانوني والدستوري (احترام القانون).
وأكد سموه ان ضمان الاهتمام بهذه المضامين ووعيها يفيد في صياغة ميثاق مواطنة عربي يكون تحقيقه اطاراً وحدوياً مهماً لنا في مواجهة ما يعترينا من تحديات ومستجدات لا يمكن اغفالها، اذا أردنا البناء والتطور والنهضة، والمواطنة سبيلنا لتحقيق الامن الشامل المنشود والذي يرى سموه ضرورة اشتماله على البعدين الديمقراطي والانساني وهو ما صرح به مؤخراً خلال لقائه مع الرئيس الهنغاري.
لذا فإن ترسيخ الشعور بالمواطنة وتطبيقها والعمل بها من قبل الفرد في كل سلوك او نشاط يقوم به مهما كان نوعه، يتطلب منا جميعا اعادة النظر في منظومتنا التربوية والتعليمية وتحديداً تجاوز مواطن الضعف في آلية تطبيقها وتنفيذها لتؤتي ثمارها وتكون سبيلاً لتمكين جميع افراد المجتمع.
وفي هذا الاتجاه عمل سمو الامير الحسن بن طلال في ثمانينيات القرن العشرين الى تشكيل لجنة للتطوير التربوي مختصة بإعادة تقييم عملية التعليم ورفع توصياتها بهذا الشأن بعد مسح ميداني لجميع انحاء الاردن، حيث كلف الاستاذ الدكتور علي محافظة مقرراً لهذه اللجنة، كما شرفني سموه آنذاك بأن أكون منسقاً لهذه اللجنة، وعلى اثرها نفذت العديد من الخطوات مثل انشاء كليات التربية في الجامعات الرسمية معنية بتأهيل قيادات تربوية ومعلمين قادرين على مواجهة كافة التحديات التي يعاني منها قطاع التعليم، كما عقد على اثر توصيات هذه اللجنة مؤتمر للتطوير التربوي سنة 1987 شارك فيه تربويون من الجامعات والقطاعات التعليمية الاخرى وخلص الى ضرورة تحسين مخرجات التعليم باعتباره اساس بناء الانسان الذي يعتبر الثروة الحقيقية في الاردن.
وها هي العملية التعليمية والتربوية تحظى بعناية مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني، والذي خصص الورقة النقاشية السابعة نحو التعليم وتطويره والتي كانت تحت عنوان “بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية جوهر نهضة الامة”.
ان المواطنة تجعل من الاردن بلداً قوياً بقيادته وشعبه ليكون هو السند المدافع عن قضايا امتنا وعلى رأسها الحق في فلسطين والقدس والتي تحتاج منا اليوم الى مضاعفة الجهود لمواجهة المخطط الصهيوني والانتهاكات والاعتداءات الاسرائيلية اليومية على شعبنا في فلسطين والقدس ومقدساتها الاسلامية والمسيحية.
لذا، فإن المساس بقوة جبهتنا الداخلية خط احمر، والقدس رمز العروبة والحق، وهي خط احمر ايضا، لا مساس بهما إذا اردنا النهضة والكرامة لوطننا وأمتنا.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock