الميزان التجاري وعمق الفجوة الاقتصادية

اسباب زيادة حجم واردات المملكة لم تعد امرا يصعب التعرف عليه. أما الاسباب التي تمنع زيادة صادراتها فمن السهل التعرف عليها ولو انه يصعب تبرير معظمها في اغلب الاحيان.  حتى الآن تنصب الاستراتيجيات الاقتصادية في المملكة على تشجيع قطاع الاستثمار بالمطلق حيث تشهد العاصمة والمناطق المتاخمة لها نهضة عمرانية تعكس حجم التدفقات النقدية الواردة إلى المملكة من الشركات الراغبة في الاردن سوقا لها.

اضافة اعلان

ورغم اهمية تلك التدفقات من حيث الاساس إلا ان أثرها الاقتصادي  يبقى محدودا ما لم يقترن بمشاريع انتاجية تزيده قوة عبر زيادة الحركة التصديرية ما امكن. ولأن الاستثمار بالسوق العقاري يعكس جانبا من النشاط الاقتصادي إلا ان دورته الكلية تنحصر في اصل ثابت يجري تناقله بين طرف بائع وطرف مشتر دون ان يزيد من الثروة الاقتصادية بأكملها. ولا ادل على طبيعة النمو المحلي مؤخرا من نشرة وزارة المالية الاخيرة التي عكست عمق الفجوة بين حجم الصادرات والواردات والتي بلغت في العشرة اشهر الاولى من العام الماضي 3,6 مليار دينار اي ما يعادل تقريبا نصف الناتج المحلي الاجمالي.

ولو تفحصنا مكونات النشاط الاستيرادي لوجدناه متركزا في الاغلب على النفط ابتداء، وهو استيراد لا غنى عنه بحكم ضرورته الاستراتيجية.  كما يتركز من جانب آخر على واردات المملكة من اجهزة الاتصالات  ووسائط النقل والمعدات والاجهزة الكهربائية. مثل تلك الارتفاعات على بنود اقل اهمية بالنسبة للسوق المحلي لا تعني عدم حاجتنا إليها  بل انها تعبر عن حالة ضعف عضوي بحكم عجز السوق عن اعادة تصديرها  حتى ترتد إلينا  بثروة اقتصادية حقيقية. فلا يكفي قطاع التخطيط ان يؤسس لمشاريع اقتصادية تزيد من حركة البضائع على الحدود والمعابر، بل اهم من تلك الحركة بذاتها ان يصار إلى تفعيل ادوات السوق المحلي لتغليب حركة الصادرات بشتى السبل الممكنة.

واضح من تقرير وزارة المالية ان السوق المحلي غارق في التركيز على سلع ومنتجات استهلاكية بفعل اسباب عدة تعود في معظمها لمسارات حركة العولمة التي اردنا اللحاق بها قبل غيرنا. وكان للإردن نصيبا جيدا من الاهتمام الدولي به للإبقاء عليه ساحة حراك واستقرار آمنة.

ورغم ان  الاهتمام العالمي بالسوق الاردنية صادق في تعامله معنا بهذا المجال إلا ان مصداقية دول العالم لا تتعدى حدود رغبتها في الانتفاع من المميزات الجغرافية والسياسية التي يختص بها الاردن عن غيره من دول المنطقة على المدى المنظور.

اما على المدى الاستراتيجي فإن حاجة السوق الاردني إلى قاعدة إنتاجية لا تندرج في اهتمامات الدول المانحة لنا ولا في اهتمامات الشركات المستثمرة لدينا ذلك ان التدفقات الرأسمالية بمعظمها تنظر إلى السوق المحلي كمجموعة مميزات سانحة ولا كنقطة بقاء دائم لعملها.

 وعلى هذا الاساس فإن الاهتمام الرسمي في تشجيع النشاط الاقتصادي يقتضي به حث الثروات المحلية على الاستثمار الاقتصادي في بلده قبل الانتقال إلى الخارج. عند ذلك فقط تصبح للزيادات في معدلات النمو دلالات على وجود تنمية حقيقية تزيد من حجم الصادرات المحلية وتزيد بالتالي من قدرة المواطن على الانفاق.