"النائب" والفرّان

أعرف بلدة صغيرة غاب عنها نائباها في البرلمان خمسة أشهر، ولم يشعر أهلها بأي نقص، وحين مرض “الفرّان” يومين وأغلق مخبزه الشعبي وقعت البلدة في أزمة حقيقية !اضافة اعلان
هل نتحدث بصراحة ؟
ثمة أزمة في تقسيم وتقييم طبقات الناس والمجتمع وترتيب شرائحه، فهناك الطبقة التي تم وضعها في المقدمة ومنحها الامتيازات والإعفاءات والمنح، وهي في معظمها لا تقدم شيئاً للبلد، لكنها تأخذ منه بشراهة وبلا توقف.
وطبقة تعطي وتعطي وتعطي .. دون أن يلحظها أحد.
لنسأل مثلاً : من حمل اسم الأردن للخارج، للعرب وللعالم، غالب هلسا وسميحة خريس وابراهيم نصر الله، أم الوزير الفلاني أو النائب الفلاني؟
من رفع اسم البلد وعرَّف الجمهور العربي به اياد نصار وزهير النوباني واحمد ابو غوش أم السفير الفلاني؟
حوالات الأردنيين في الخارج تبلغ سنويا حوالي 3.5 مليار دولار، وتشكّل حوالي 14 % من إجمالي الدخل القومي، لكن المغتربين محرومون من امتيازات أو حتى اعفاء سيارة من الجمرك، مقابل حزمة اعفاءات وامتيازات تحظى بها شريحة لا تقدم للبلد سوى الفواتير .. فواتير التصريحات والسفريات والمياومات ولا تصنع شيئاً على الأرض !
لا أفهم مثلاً لماذا يأخذ النائب راتباً أصلاً؟ الا يزعم خلال الفترة الانتخابية كلها أنه يعمل بتكليف من الناس ولمصلحتهم وينفق على حملته أضعاف ما سيتقاضاه ؟ لماذا إذا يكلف الخزينة كل هذه الفواتير والامتيازات وهو لا يفعل سوى النوم تحت القبة أو الصراخ .. ثم إنه يتقاضى ما هو أهم من الراتب وهو الهيبة والجاه اللذين ترشح لأجلهما، فلماذا لا يوفر على الدولة فاتورته الباهظة !
لماذا يدفع شاب في العشرينيات في أول حياته 15 ألف دينار ثمناً لسيارة سعرها في الحقيقة وبدون جمرك لا يتجاوز 5 آلاف دينار، في حين يحظى مسؤول بعدة سيارات فاخرة معفاة من الجمارك؟ مَن هنا الذي دفع للبلد ؟ ألا تُحسب هذه الجمارك المرتفعة، على كل السلع، كمساهمة للناس؟!
لماذا تُدفع رواتب تقاعدية عالية جداً للوزراء والنواب؟ لماذا لا تُدفع لهم مكافأة مقطوعة في نهاية الخدمة، هذا إن كانوا بحاجتها ولم يتدبروا أمر باقي حياتهم خلال الخدمة !
لماذا يتقاضى الشرطي الذي يقف في مواجهة الإرهاب راتباً شهرياً أقل مما يتقاضى الوزير عن يوم عمل أو مياومات سفر؟!
المبلغ الذي أعلنت الحكومة أنها بحاجته، وتريد من المواطن أن يتدبره، ليس مبلغاً باهظاً بحسابات الحكومات، ولا نريد أن نقول أن هناك مئات الأثرياء الأردنيين يستطيع واحد منهم دفعه من جيبه دون أن يختلّ حسابه البنكي !
لماذا لا نبحث عن حكومة جادة ولديها رغبة فعلاً في العمل بإخلاص وحب للبلد تعلن أنها ستعمل لمدة سنة واحدة دون رواتب ومياومات وامتيازات ..
لماذا لا يجتمع البرلمان في جلسة طارئة ويقرر التبرع برواتب ومياومات أعضائه لمدة سنة لخزينة الدولة ؟!
..
ما الذي نفعله بهذه الطبقة الواسعة والعريضة جداً من المتنفذين والمسؤولين (العاملين والمتقاعدين) وما الذي يقدمونه حقيقة للبلد مقابل رواتبهم وامتيازاتهم واعفاءاتهم ؟
لماذا لا تقتصر الحكومات على عشرة وزراء مثلا لمدة سنتين !
(هل يعرف أحد في الأرض ما هي مثلاً وظيفة شخص اسمه وزير دولة ؟!!)
واذا كانت الحكومة لا تريد كل ذلك. فيمكنها أن تنظم برنامج (تيليثون) على التلفزيون ليوم كامل للتبرعات (يسافر المسؤولون في ذلك اليوم للخارج ) وليتبرع الفقراء لبلدهم بحب .. دون أن نمد أيدينا في جيوبهم.
هناك آلاف الإقتراحات التي يمكن سماعها من الناس لسداد هذا العجز خلال ساعتين.. لو كانت هناك نية حقيقية لسداده من غير قوت الفقراء وجيوب الغلابى و”جرّة الغاز” !