النزول من الذروة

"لقد ربح حزب الله. ربح جهاداً استحوذ على معظم طاقاته وطورها في آن واحد. وهو بهذا المعنى بلغ ذروته يوم 24 آذار 2000، ومفارقته مثل كل من يبلغ الذروة أنه صار محكوماً باستحالة الصعود أكثر، أي في أحسن الأحوال بالمحافظة على المرتبة التي وصل إليها، وفي أسوئها بمباشرة النزول منها".

اضافة اعلان

الكلام أعلاه لشهيد انتفاضة الاستقلال اللبناني الصديق سمير قصير. وهو تشخيص لحال حزب الله نشره بعد أيام من تحرير جنوب لبنان عام 2000.

 لم يعش سمير ليرى حزب الله يصل إلى ذروة أخرى في تموز 2006. فقد اغتالته قوى الغدر التي ما انفكت تواجه الفكر والكلمة بالمتفجرات والقمع تارة وبالشعاراتية الخشبية طوراً. وقتذاك كتب سمير أن حزب الله يقف أمام مفترق قد يقوده إلى النزول من قمته التي كان وصلها إذا ما أحال عصبيته الجهادية قاعدة لممارسة زبائنية تغذي نفسها بنفسها.

اغتيل سمير قبل أن يبدأ حزب الله بالنزول من القمة لأسباب تتجاوز ممارسة الزبائنية الداخلية إلى رهن حاضر لبنان ومستقبله لقرارات وأطماع إيران والنظام السوري.

 بدّد حزب الله انتصاراً روى عطش كل العرب حين فشل في أن يجعل صموده في مواجهة العدو الإسرائيلي لحظة ولادة جديدة للبنان مستقر ينمو بتعدديته واستنارته وعشقه للحياة. فشل حزب الله في أن يجلب للبنان، كما أمل سمير وقت ذروة التحرير، "عاشوراء للفرح تتفتح فيها مائة زهرة". وتلك كانت بداية النزول من الذروة.

 وها هو لبنان يعيش اليوم كارثة لن تفلح كل خطب السيد حسن نصرالله في إعفاء حزب الله من مسؤولية الإسهام في صنعها.

كان بإمكان حزب الله أن يبقى في الذروة. لكن شرط ذلك كان التحرر من التلازم المطلق مع إيران وأهدافها واحترام حق اللبنانيين في إنهاء الهيمنة السورية. لم يفعل حزب الله ذلك. احتكر الحقيقة والوطنية واجتر اتهامية حليفه في دمشق لتخوين كل من اختلف مع طرحه أو اعترض على وسائله أو حذر من مغبة فعائله.

هل يستدرك حزب الله قبل أن يصل الهاوية؟ نتمنى ذلك. فلا مصلحة لأحد في استمرار التدهور الذي يقود الحزب لبنان نحوه. والنفسية العربية بحاجة للأسطورة التي صار، بحق أو بغير حق.

 بيد أن لنجاح هذا الاستدراك شروطه الموضوعية. أول تلك تقديم حزب الله مصلحة بلده على مصلحة بلاد فارس ونظام دمشق. وثانيها احترام تاريخ لبنان الذي قام على التعددية وجعل من المستحيل فرض عقائدية طرف فيه على آخر. وقبل هذا وذاك, يحتاج حزب الله تجاوز "عائق التمسك بالخمينية" في لحظة تحاول شرائح واسعة في إيران التخلص منها. وحين يلبس شباب الحزب شارات تقول "لبيك يا لبنان" بدلاً من "لبيك يا خميني"، كما فعل الأسرى المحررون في حفل استقبالهم زمن استعادة الجنوب اللبناني، يكون حزب الله بدأ الاستدراك الحقيقي لهويته وأهدافه وسياساته.

 شتان ما بين نصرالله الذي كان يتوعد إسرائيل ويصمد في وجه عدوانها وبين نصرالله الذي يُخَوِّن شركاءه في الوطن اللبناني وأشقاء لبنان في الوطن العربي.

نصرالله وقتذاك كان بطلاً قوياً. ونصرالله اليوم سياسي محاصر في أجندة إيرانية - سورية تكشفت منذ زمن بعيد عدميتها.

 يجب أن يستدرك حزب الله. والفرصة ما تزال سانحة. يقف لبنان اليوم على حافة الهاوية. لكنه لم يغرق فيها بعد. وسيعود أمين عام الجامعة العربية عمرو موسى إلى بيروت بعد أيام لمحاولة فكفكة الأزمة. بإمكان حزب الله أن يأخذ ويعطي فييسر خيوط حل الأزمة. إن فعل يسهم في إنقاذ بلده ويستعيد بعضا من بريق صورته. وإن ظل على الطريق التي رسمتها طهران ونظام دمشق دمر بلده واستمر في النزول من الذروة. وذلك مآل سيكون مستفظعاً. فالأسطورة كانت جميلة. كانت حاجة. ولن يخدم حزب الله إلا أعداء لبنان والعرب بتدميرها.

ما تزال طريق المنطق مفتوحة. وبوابتها لبننة الأهداف والمنطلقات. وهذه هوية إن فقدها حزب الله أخفقت كل بلاغة أمينه العام في إعادته إلى ذروته. فلا اختزال كل المسألة اللبنانية في الصراع مع إسرائيل ممكن. ولا لغة التخوين التي لا تعترف إلا بطهران والنظام السوري رموزا للوطنية عادت تقنع.